يسري غباشنة
22/6/2011
استنساخ الذئاب
شاعت تقنية الاستنساخ في تسعينيّات القرن الماضي، هادفة إلى إنشاء نسخ طبق الأصل من بعض الحيوانات، وكان أشهرها النعجة دوللي في عام 1997. ولكن هذه التقنية العلمية البيولوجية واجهت الكثير من ردود الفعل الدينية والأخلاقية المعترضة على مبدأ الاستنساخ من أصله. إضافة إلى العثرات التي رافقت مرحلة ما بعد الاستنساخ من تشوهات عديدة في وظائف أعضاء الجسم لدى هذه الحيوانات. وفي الوقت الذي تتراجع فيه هذه التقنية العلمية بصورتها هذه، نعايش صنوفا أخرى من الاستنساخ نرى فيه ذئابا استنسخت في كافة البلاد العربية، وحيتانا استمرأت الحرام فشقّت فيه دروبا ومسالك، وعبدة الدرهم والدينار والدولار واليورو زحفوا زحف الأفاعي فنفثوا سمومهم في كلّ صحن نغمس فيه كسرة خبزنا. يشرّعون القوانين،( وتحت إمرتهم نصّ القوانين/عرار) وبالقانون ومنافذه يحتمون. يديرون صفقات مشاريعهم بالسمسرة والرّشوة، وبالرِّشا يكنزون ويشيدون أهراما من الأرصدة في البنوك والعقارات والأراضي والجنان. ومنهم من توارث الفساد أبا عن جدّ، ومنهم من جاء حافيا عاريا فصار يرفل بثياب الجاه والوجاهة، في حين توارى الخلّص في فيء عمود من أعمدة الوطن، أو سارية علم، أو بقعة طاهرة لم يمسسها فاسد أو محتال، ولم يطمث مرتعَها سارق أو سمسار.
الدول العربية قاطبة تئن تحت وطأة زلازل مالية واقتصادية واجتماعية؛ فمعضمها تُخنق باشتراطات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وما يتبع هذا من خصخصة ولصلصة، تباع فيها مؤسسات البلد دون عائد يذكر، ويتسلم هذا الملف ويديره النّصابون الجدد منهم والقدامى، غير آبهين بما يجرّه هذا بسوء على البلاد والعباد، وارتهان أمرنا إلى رهط شيلوخ وإملاءات هذه المؤسسات الرّبويّة، ومن هذه الإملاءات على سبيل المثال لا الحصر تجفيف منابع مساعدة المواطنين مهما كانت من قبل الحكومات؛ كإلغاء وزارة مثل وزارة التموين، وتعويم الأسعار، أو إلغاء الدعم الحكومي عن بعض ما يحتاج إليه المواطن من سلع وغيرها، أو تخفيض مثل هذا الدعم؛ ومن مبادئهم التي يستندون إليها أنّه (لا مكان للخراف في مجتمع الذئاب) كما قالت تاتشر في يوم ما على الرّغم من أنها عمّالية. وفتح سوق المنافسة، ولكن أيّ منافسة هذه! إنها منافسة غير متكافئة لا بالعدد ولا العديد، إنها منافسة مصارعة بين صوص أو صويص يتعثر بمشيته من جهة وحوت فاغر فاهه يلقم ما تنوشه أنيابه ذات اليمين وذات الشمال. وفي كلّ بلد من بلاد يعرب بن قحطان حوت وديناصور وأفعى، وفي كلّ شِعْبٍ من شعاب المشرق العربي ومغربه صيصان وحمام ويمام تروح وتغدو خماصا؛ جرّاء سياسات حكومية تعدو فيها الملايين وتهرول إلى جيوب الأثرياء، وتزحف فيها الملاليم والتّعاريف والهللات والبيسات- الهوينى إلى ما تبقى من جيوب الموظفين (الزغار)، والعمال، وأخوانهم من طفارى ومساكين.
هؤلاء هم المستنسخون في كل بلد عربي؛ ففي الأردن مثلا، نجد أنّ هذا النفر لديه القدرة على تشويه الأفكار الناصعة بمساحيق النتن والبشاعة ما إنْ تصاغ بلغتهم؛ ولا أدلّ على هذا من الفكرة التي تبناها جلالة الملك وهو يتلمس مواطن الوجع عند المواطنين، وأقصد بذلك مشروع السكن الكريم لذوي الدخل المحدود الذي ما إن تناوشته الذئاب بأظفارها حتى أحالته ومسخته إلى ملف سيئ السمعة تفوح منه رائحة الفساد، وهاهو يتنقل بين أروقة هيئة مكافحة الفساد والقضاء والحكومة وعلى ألسنة المواطنين كافة؛ وقس على هذا ما لا يخفى عن الأعين في بلد كالأردن يعرف بعضنا بعضا من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وكأنّ بهؤلاء يطلبون من جلالة الملك ما لا يستطيع القيام به الجبابرة؛ فهو المسؤول عن المستشفيات وتصويب مسارها، كما أنّ على جلالته متابعة المشاريع العمرانية وكيفية إدارتها وتنفيذها، إضافة إلى متابعة سير العمل الوظيفي في الدوائر الرسمية والخدمية، زد على ذلك تلمس احتياجات الشعب في البوادي والأرياف والمخيمات، وغير هذا وذاك الكثير وكأنّ بعض هذه الوزارات المتعددة بحقائبها تغطّ في سبات أهل الكهف، أو أنّ بعض المتنفذين فيها يطيل السهر والبحث عن صفقة أو رشوة، ودليل ذلك ملف الكازينو الذي يقال أنّ بعض الوزراء متورط في دهاليزه، والله أعلم.
ومع كلّ هذا، فإنّ المتفيئين في ظلال الوطن ورايته وترابه الطاهر لن يتركوه بعد اليوم للمستنسخين الجدد منهم والقدامى.