ماهر أبو طير - التقيت مع ثلة من الكتاب الصحفيين يوم أمس الملك، وعلى مدى ساعتين كان الحوار حساسا ومهما، حول الشأن الأردني، وما في الشرق والغرب من شؤون وشجون، في هذا التوقيت.
أكثر سؤال تعرضت له أمس، وتكرر هاتفيا، من العشرات، بعد اللقاء، كان حول الكيفية التي ظهر بها الملك، في اللقاء، والتساؤلات كثيرة وفضولية، بعضهم يسأل هل كان مرتاحا، أم عصبيا، أم متضايقا، كيف كانت لغته، تعبيراته، كيف كانت body language خلال اللقاء، هل كان غاضبا، أم مستقرا، والسؤال يلد سؤالا كل مرة، والغريب أن الكل يوجهون ذات التساؤلات.
الكل يريد استكشاف تأثيرات ملف قصة المصرف السويسري، على الملك، وما هو رد فعله الظاهر، وأيضا العميق الذي بحاجة إلى تحليل أدق، والذهنية العامة تريد استقراء رد فعله.
بصراحة كان مستقراً جداً، قوياً ، وثابتاً، ولا أي إشارة على قلق كما يظن البعض، وهذا ليس سوء تقدير للموقف بقدر أنه يقرأ القصة بخلفياتها ودوافعها المعقدة المرتبطة بسياسات الدول في العالم، خصوصا، أنه مطلع على أسرار الأطراف التي تحركت، بكل التفاصيل، وتواقيت هذه الحركة، ودوافعها، ومنذ متى بدأت ولماذا بدأت، فهو لا يفصل السياق والمحركين عن كل القصة.
بصراحة لم يأخذ هذا الملف من وقت الملك اكثر من دقائق، وكشف في اللقاء معلومات مهمة، عن الكيفية التي تدار بها الأمور، حيث إن القصة أعقد بكثير من حسابات مصرفية، وأعتقد أن القصة لو كانت قصة حسابات وأرصدة وشفافية، لما تم التركيز على الملك وحده، واستثناء مئات الأسماء القيادية والرموز في العالم العربي، وكأنه لا يوجد حاكم سوى ملك الأردن في عين الصحافة الاستقصائية، أو القوى التي تدير الحملات عبر شركات PR او اللوبيات المتنفذة ، فنحن امام مشهد مركب تتداخل فيه قوى متعددة، وتتشارك في شبكة واحدة.
قصة استهداف الأردن، على صحتها، قد لا تقنع البعض، لأن البعض في الأردن يقول لك إن الأردن يرضي الأميركيين والاسرائيليين، فلماذا يستهدفونه اصلا، وهذا الكلام يأتي للغمز من قصة الاستهداف، لكن البعض لا يعرف أن الأردن رفض تمرير قضايا كثيرة، وهو على الرغم من علاقاته الدولية، ومرونته في التعامل مع معادلات قائمة، الا انه بقي رافضا لتمرير مخططات محددة، وهذا الكلام يعرفه المطلعون، ويأتي الانتقام، من باب الظن انه بهذه الطريقة تتم خلخلة استقرار الأردن، وتحطيم رمزية الحكم، في نظر الناس، فيما المخطط الاساس، اخطر بكثير من زاوية الشفافية التي يظن بعض الناس، انها هي السائدة في القصة.
الاطراف المستفيدة من فتح هذه الملفات، متعددة، وكان معروفا مسبقا أن هناك فتحا لمثل هذه الملفات، وتبرير الثروة ليس هو القصة الأولى، لأن الهدف فتح بوابات الأردن لإعادة الصياغة، عبر تحطيم بنية الدولة، وهز الاستقرار، خصوصا، كما أشرت سابقا، أي أن الملك وحده الذي يلاحقونه بهذه القصص، ولا يلاحق غيره، وهذا وحده دليل كاف على تصفية الحسابات.
أبرز الملفات تتعلق بالداخل الأردني، وتفاصيل كثيرة، عن الفترة الحالية، والمقبلة، إضافة الى ملفات الإقليم في سورية، العراق، والعلاقات مع الدول العربية، فيما حظي ملف القدس بوقت كبير، وكشف فيه الملك تفاصيل مهمة قديمة وجديدة، وحساسة، وما يواجهه الأردن فيه، خصوصا، ونحن نقترب من رمضان، حيث المخاوف من اندلاع الأزمات بسبب اقتحامات الاقصى، وغير ذلك، والكلام الذي يقوله هنا، في غاية الاهمية، ويقدم قراءة معلوماتية، في غاية الإفادة، حيث تستنتج بكل وضوح حجم المواجهة والتعقيد والتناقض ايضا، في معادلات الأردن، والأثمان التي يدفعها أحيانا، وتلك الأثمان التي يتجنبها، لكن فواتيرها تلاحقه من اجل كسر ظهر الأردن، وفقا لتعبير الملك، يوم امس، وهو تعبير مؤلم، ترافق مع سردية لأسبابه في هذا التوقيت.
لم يفقد الملك لمساته برغم الظروف الضاغطة، وحين اضطر للمغادرة بسبب موعد آخر، كان أحد الزملاء لم يوجه للملك سؤالا، بسبب نفاد الوقت، لكننا فوجئنا بعد مغادرته بدقائق بعودته فجأة الى القاعة، معتذرا للصحفي، أنه لم يمنحه الوقت للسؤال واعدا إياه بتعويضها له في مرة ثانية، فتنزل الحسد على الصحفي، باعتبار أن الملك عاد له شخصيا، ترضية لخاطره.