... عجيب هذا الذي يجري في بلادنا ، أمر غريب لم يسجل مثله في تاريخ الدول والانظمة ، قضايا الفساد يقال فيها الكثير الكثير ، اوراق ثبوتية واتهامات متعددة ومتبادلة بين اطراف الحكم ، مؤسسات و جهات تحقيق مختلفة غير مترابطة ، تصريحات يكشفها رجال صمتوا دهرا ونطقوا حقيقة لانهم يخشون العاقبة وحمل الجريمة ! تتكشف كل يوم حقائق جديدة تتعلق بملفات الفساد الأكثر سطوعا ، الكازينو وهروب خالد شاهين ، وهما للعلم اقل قضايا الفساد تأثيرا على البلاد واقلها وطأة على الاقتصاد ، فهروب الرجل المحكوم الى لندن بدواع العلاج لم يكن الا فساد اداري ومؤامرة لتهريب الرجل خشية ان يضيق صدره كثيرا وينطق بالهوائل ويورط شخصيات كبيرة اخرى في قضايا اكبر واعقد ، فكان القرار هو اما الخلاص منه على طريقة اغتيال من يعرفون الكثير ! وبالتالي دفن الملفات بأكملها ، واما تهريبه الى الخارج عربون صمته ، فكان قرار التهريب هو الاكثر حكمة ! واما قضية الكازينو فقد الغي العقد وخسرنا ما خسرناه سواء اكانت بضع ملايين وبضع مئات الدونمات من الاراضي او كانت اقل او اكثر من ذلك ، فمحاولات طي الصفحة بتحقيقات شكلية تجري في البلاد لذر الرماد في عيون الناس جعلت كل المشاركين بالمؤامرة يطلقون تصريحات البراءة وكيل التهم للاخرين ، ولا ندري بعد من قد يتورط ، فقضية الكازينو عايشت اربع رؤساء وزراء وعشرات الوزراء والمسئولين ، وقد لا ندري ابدا بالقصة الحقيقية لموضوع الكازينو لأن المؤشرات تقول ان لا نية لكشف الحقائق بالرغم من العرض المسرحي القائم الذي تدور احداثه حول الموضوع .
اقول غريب وعجيب امر هذا الوطن ، ففي ذروة المناداة بالاصلاح حفاظا على الوطن وحماية للنظام تقر الحكومات وبايعاز من مؤسسة الفساد قوانين واجراءات لا تمت للاصلاح بعلاقة وخاصة ان قرأت وتمعنت بقانوني الانتخاب والاحزاب وتعديلات قانون الاعلام ومكافحة الفساد بحيث وجهت البوصلة ليس باتجاه الفاسدين والمتورطين ، بل بأتجاه محاكمة وملاحقة الاعلام ولجم اقلامهم تحت مسميات ضبط سلوك المواقع الالكترونية واغتيال الشخصيات ! وفي ذروة تعهد النظام والحكومات كذلك بمحاربة الفساد وملاحقة المتهمين ، فأن الفساد المحمي بقوانين واجراءات منيعة لا زال يتسكع ولا زال وبكل جرأة وبحضور قوي يمد نفوذه وسطوته اكثر واعمق من ذي قبل بالرغم من تورط الرؤوس الكبيرة منهم بقضايا الفساد وهذا ما كشفته تصريحات الوزراء السابقين مؤخرا .
الشعب يريد الأصلاح ، والشعب يريد محاكمة الفاسدين ، وهل نادى الشعب بغيرها !
هل طالب الشعب بتغيير النظام ومحاكمة رموزه كما هي الحالة التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية وغيرها الا بعد ان وجد ان لا حياة لمناداته ومناجاته وبعد ان استفحل الفساد وخربت البلاد واسيلت الدماء !
غريب أمر هذا الوطن الذي يستهجن نظامه خروج الناس للمطالبة بالاصلاح ومكافحة الفساد ، وعجيب أمر الحكومات التي تشدد الاجراءات وتفعل وتعدل القوانين تبعا لمزاج الفاسدين وليس تبعا لمزاج الناس ومطالباتها بالاصلاح .
يقول احد المواطنين ممن لا يمتهن السياسة ، ان قضايا خالد شاهين والكازينو ليستا الا عظمة رمتها الحكومات ليتلهى بها الناس بعيدا عن قضايا الفساد الأكبر ذات الصدمة الأعظم لو علمها الناس ! وبعيدا عن اجراءات التمهيد للوطن البديل ومنح الجنسيات وتجنيس ابناء الاردنيات تحت مسميات انسانية ، وكذلك بعيدا عن الأمتيازات والمنح التي تقدم للوزراء والمدراء العامين لبعض الاجهزة من قصور وفلل كان اخرها منزلين ( قصرين ) لاحد الوزراء واحد المدراء العامين لاحد الاجهزة تتجاوز قيمتها ما صرف لمحافظة كاملة في جنوب الوطن ! وبعيدا ايضا عن انفاق الملايين دون رقابة تحت مسميات كلفة الاستشارات وبيوت الخبرة لمشاريع الطاقة النووية والنفط والغاز ومشاريع الطاقة الاخرى التي لم نشعل منها شمعة بعد ، الى جانب استكمال اجراءات بيع ما تبقى من موارد الدولة وثرواتها والغاء الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة ! واحكام القبضة على الطبقات الفقيرة والوسطى وتغريمها مديونية البلاد المنهوبة اصلا ليس لصالح مشاريع التنمية بل لجيوب الفاسدين ، من اجل هذا كله وغيره مما لا نعرفه تدور مسرحية الكازينو وهروب خالد شاهين !!