منذ أن نشبت الحرب الروسية -الأوكرانية ، وحيث أن لكل أزمة ولكل حرب تبعاتها ومآسيها التي تتركها على الشعوب التي لا حول لها ، والمتمثلة بالنزوح والتهجير والقتل والدمار المؤلم والمحزن الذي تجره عليهم وتتركهم لمصائرهم دون احتساب أنهم بشر وأن أرواحهم خلقت للحياة لا للموت تحت عجلات عنجهيتهم وصلفهم من أجل تحقيق مصالحهم وأطماعهم المسعورة ،،
فالحروب بمجملها وعلى اختلاف اشكالها هي آلة للقتل والدمار وطحن للشعوب التي تذهب وقودا لسعير نارها الملتهبة وجنون خطوها الحارق الذي لا يرحم ولا يحتسب لما يخلفه وراءه من دموع وتدمير وأعداد قتلى لا ذنب لهم سوى أنهم ضحية هذه الآلة البشعة وأدواتها التي صنعت بكل تجريد ضمير ومغالاة في التصنيع العسكري حيث شعارها التفوق في القدرة على الخصم دون احتساب لأي قيم إنسانية أو روح تسامح أو سعي لحماية البشر من طحن عجلاتها وأزيز طائراتها وهدير مدافعها تحت ذريعة العدالة وتخليص الشعوب من حكامها القساة وإحقاق أسس الديمقراطية لا يعرفون منها سوى مصطلحاتها الورقية الخالية من أي مضمون عنوانه الرحمة أو حق الإنسان بالعيش الآمن وبسلام واحترام لكينونته وإرادته التي فطر عليها من رب العباد .
ومن الطبيعي أن يبدأ الكتاب والصحفيون بالكتابة ونشر المقالات حول هذه الأوضاع وهنا تبدأ الآلات الإعلامية بشحذ الهمم كل يسعى إلى تحليل أو تفسير يقنع من خلاله القاريء أو المستمعين والمشاهدين ، وهذا حق مشروع لهم بكل تأكيد لا اعتراض عليه ، فمثل هذه الأحداث هي بيئة خصبة لكل مجتهد في تحليل الحدث كما يراه من زاويته ورؤياه ، وأنا هنا لا أتحدث من منطلق تحليل سياسي أو خبيرة جيوسياسية أو لفرض رأي ، لكن وعلى ضوء ما ألمسه من قراءات وتحليلات وكتابات تتصدر المواقع المختلفة ، وجدت أن المعظم يذهب بالموضوع لمقارنات بدت وكأنها موضة الموسم الإعلامي للكثيرين من كتاب وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي بكافة اشكاله وانواعه ،حيث نجدهم يركزون على المحاكاة ما بين واقع الفارين والهاربين من سعير الحرب في أوكرانيًا ا والذين أبدت الكثير من دول جوارهم الترحيب والإستعداد لاستقبالهم بكل مرونة وتيسير حال ، وكيف أنها بدأت بإمدادهم بالمساعدات الإنسانية والمالية العاجلة نظرا لصعوبة ظروف معيشتهم بسبب هذه الحرب والتي تدور رحاها ضمن ظروف جوية قاسية ، والتي جاءت كاستجابة انسانية لما لحق بهم من خوف وفرار من وجه الدمار والهلاك ، وينتقدون ذلك معللين أن مثل هذه الردود السريعة في مساعدتهم واحتوائهم لم تحدث لمشردي الحروب والمآسي الأخرى التي تعرضت لها العديد من دولنا العربية وغيرها وانها إن حدثت لم تكن بنفس المستوى ، وهنا أقول انكم فعلا تستغلون مثل هذه الظروف لشحن النفوس وتأجيج المشاعر التي لا داعي لها والتي لا تخدم شعوبنا أو مصالحنا لا من قريب ولا من بعيد ، وهي في مجملها عزف على المشاعر واستغلال لحدث لا هدف له سوى حشو للنفوس بالكراهية وإثارة للضغينة نحن في غنا عنها بكل تأكيد ، فالعالم لا يقف مكتوف الايدي تجاه أي كارثة إنسانية أينما تحدث، وكم تدفقت مليارات وملايين سمعنا بها في سبيل ذلك !
،فكان ألأحرى بنا أن نكون دوما في صف المنطق والإعتدال في رجم الآخر وتوجيه الإتهام دون أن نبادر نحن إلى انتقاد أنفسنا وإصلاح ذات البين فيما بيننا وأن نبحث عن مواطن الخلل الحقيقي الذي أدى بشعوبنا للتشرد وتركهم لمصائرهم ولأبواب الجحيم تتقاذفهم دون رحمة أو إعمال للضمير ،، فنحن من نحرق جسور التوافق والتآخي ونشرد القريب ، لكنني أشكر الله أنني في وطن لم يغلق بابه يوما أمام مشرد ونازح و لاجيء أو عابر سبيل ، فابوابه دوما مشرعة لكل من ينشد الكرامة والأمان والعيش الكريم ، فالإنسانية يجب أن لا تميز بين إنسان وإنسان ، والرحمة هي مطلب لتسود في كل مكان وكل زمان، فقط المطلوب من إعلاميينا وكتابنا أن لا يعزفوا على وتر الجراح وآلام الشعوب كي ينالوا شعبية أو تهليل أو تصفيق .