هذا زمن تشابهت علينا فيه البقر، وتوحّش فيه البشر، فغطّت المزاعمُ الفضاءَ والأرجاء، وانتحل المحتالون المعارضةَ والزعامةَ، وطغى فيه العمل الاستعراضي الفشوش، واستفحل فيه الخطاب الهابط المغشوش، فلم نعد نعرف الحرَّ من أخو المطبلة !!
ومستقر ومعلوم ان المعارضة الوطنية، نَسقٌ وبرنامجٌ وجهدٌ ونضالُ طلائع جماعيٌ تراكمي شاقٌ طويلُ الأجل، يجيدها أولو العزم، ذوو التكوين الديمقراطي والقدرة على مشاق العمل الجماعي وقيوده وحدوده،
لأن معارضة الأفراد، هي معارضة كنب، وبيانات ورقية، وعظية، أستاذية، عقيمة، تغري صاحبها وتستدرجه إلى «فخ» الـ (SHOW) الذي يستطيبه و «يسخسخ» عليه.
وسوى ذلك مراجدة.
وانتم تعلمون أن الأجهزة الأمنية، لا تترك معارضي بلدانها بلا رقابة وبلا ضبط. وهي تمتلك قدرات متابعة فنية وتجربة عميقة، وتراثا عريقا من ادوات الاحتواء وتحويل المعارض الصعب إلى مُنفِّس عذب، فما بالكم بالمرتزق الذي يزعم المعارضة او يعلن انه «يتزعمها» ؟!
ويصعب ان تعمل «معارضة الخارج» دون أخذ الموافقة، من أجهزة الدولة الأمنية والسياسية، التي تعمل على أرضها.
وتحتاج المعارضة بالتاكيد إلى نفقات، لأن «المعارضين» ليسوا اثرياء. بل يبحث معظمهم عن الثراء، كما ان الأثرياء منهم، لا ينفقون من حر اموالهم على قضايا عامة. وهكذا تتحول المعارضة إلى «التنسيق» مع الأجهزة الأمنية الأجنبية، كما حصل في آلاف الحالات، على امتداد الـ 70 سنة الماضية.
المعارضة والموالاة، تقاليد وعراقة ومصالح ومنظومة وعمق وتراكم وعمل جماعي منظم طويل الأجل.
والمعارضة الراشدة ضرورة وليست ضررا. وهي مصل ومضاد قانوني وأخلاقي للفساد والاستبداد.
ومن قال ان صناعة المعارضين والقادة وتخليقهم، تتم دائما في دوارق الشعب وفي الأرحام السياسية الطبيعية ؟!
وارجو ان تحاذروا ذوي الصوت العالي، الذي لا يؤسس موقفا قابلا للنمو، و لا يؤثث خطابا وطنيا يجتمع الناس عليه. وقد كنا نعتبر الأعلى صوتا والأكثر حدة في بياناته وخطاباته وهتافاته، مدعاة شبهة !!
أما السباب والشتم والزعيق والحط من قدر الوطن، والتنمر على مؤسساته، اذا لم يكن عملا تخريبيا، فإنه سيكون تشويشا وتشويها، ولن يكون ابدا عملا سياسيا وازنا.