زاد الاردن الاخباري -
يقف قادة العالم أمام خيارات صعبة لدحر الاجتياح الذي أطلقه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أوكرانيا، حيث يتوجب عليهم أن يوازنوا بين قرارتهم لردع الاجتياح ومخاطر التصعيد مع موسكو، وفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز".
فقبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، عمدت وكالات الاستخبارات الغربية على جمع المعلومات وإطلاق التحذيرات متوعدة موسكو بعقوبات صارمة إن عمدت إلى تنفيذ عمليتها العسكرية، ودعت إلى الدبلوماسية والحوار لحل الأمة ومنع وقوع حرب واسعة.
لكن، وبمجرد أن انطلقت الدبابات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، فإن الاستراتيجية التي رسمتها دول الغرب "باءت بالفشل"، وفقا للتحليل، الذي أكد أنها اليوم تجد نفسها بين خيارين متضادين، نجاح أي منهما قد يقلل احتمال تحقيق الآخر.
"فمن ناحية، يرغب صناع السياسة في الغرب أن يلجؤوا إلى أي خيار عدا استخدام القوة العسكرية لمساعدة أوكرانيا على النجاة من هجوم روسيا الوحشي وغير المبرر. ومن ناحية أخرى، يريدون منع حرب واسعة النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي"، وفقا للتحليل.
ولجأت الدول الغربية إلى إرسال أسلحة ومساعدات إلى أوكرانيا، فيما سارعت دول حلف الناتو بقيادة واشنطن لنشر آلاف الجنود في الدول الأقرب إلى روسيا.
الخروج عن السيطرة.. "بسهولة"
يشير التحليل إلى أن الأوضاع قد تخرج بسهولة عن السيطرة، وقد يجد فيها حلف "الناتو" وروسيا نفسيهما في مواجهة مباشرة، إذ يمكن أن تستهدف غارة روسية معدات عسكرية فرنسية خلال إرسالها عبر بولندا لدعم القوات الأوكرانية.
وإن حصل ذلك بالفعل، قد يقرر "الناتو" تفعيل المادة الخامسة في بنوده، "أي اعتداء مسلح أو عسكري على أي دولة عضو في الحلف هو بمثابة اعتداء على كل الدول الأعضاء فيه"، وسيعود القرار للحلف فيما لو أراد تفعيل تلك المادة من عدمه.
أما السلاح النووي فهو موضوع آخر يظهر على الواجهة، فمنذ بدء النزاع في أوكرانيا لوح بوتين بإمكانية استخدامه عدة مرات ورفع حالة تأهب القوات النووية الاستراتيجية الروسية مرتين، بينما حذر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في الثاني من مارس، من أن أي حرب مع الناتو ستكون نووية.
ورغم أن العديد من المراقبين والمحللين يرون في هذه الوعود تكتيكات تلجأ إليها روسيا للتخويف، إلا أنه لا يوجد عضو واحد في الناتو قد يستخف بتلك التهديدات أو يدعو إلى تصعيد عسكري مباشر.
طريقتان أساسيتان
ويشير التحليل إلى أن الناتو يملك طريقتين للتفكير في السير على "الخط الرفيع"، ما بين ردع روسيا وتجنب التصعيد.
الأولى تبني على نظريات "المنطقية والردع"، "الطريقة الوحيدة لإيقاف زعيم عدواني هي رفع تكاليف العمل العسكري وإظهار العزم الراسخ، سواء قولا أو فعلا".
ويشير التحليل إلى أن الناتو يركز على الردع بشكل كبير فعلا، سواء تمثل ذلك بدعم الحلف أعضاءه المتاخمين لروسيا بقوات إضافية، وتنشيط قوة الرد السريع التابعة للتحالف، في حين تواصل الدول الغربية تعميق العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا والتي تلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الروسي.
أما الطريقة الثانية، فيعتمد فيها التحليل على علوم الحواس الإدراكية، التي تشير إلى أنه عندما يجد الشخص نفسه متقوقعا أو يعيش خسارة جسيمة، فإنه يميل أكثر إلى المبالغة في احتمالية الخسارة التي يواجهها واتخاذ قرارات أكثر خطورة.
ويشير التحليل إلى ذلك بأن موقف الرئيس الروسي يعبر عن رجل غاضب بشأن انهيار المجد السوفيتي، ومن شأنه أن يتخذ قرارات أكثر خطورة إن شعر أنه محاصر من العقوبات الغربية وأن خسارته أمر محتوم.
ويقترح التحليل الموازنة بين الشكلين السابقين للحد من تأزم الحرب الأوكرانية، وذلك باتباع خارطة طريق قائمة على إظهار الصرامة والعزم تجاه روسيا، وبعد ذلك التركيز على تقديم إغراءات لبوتين لخلق حوافز لوقف التصعيد والتفاوض، محذرا من أنه في حال انتظار الناتو لفترة طويلة، فإن موسكو قد تستمر بالتصعيد لأمد غير محدود.
وأفاد إلى أنه حتى بالسعي لـ"التفاوض" فقد يفسر بوتين هذا الأمر على أنها علامة ضعف ويقوم بالتصعيد، وهو ما يؤيده مناصرو سياسات الردع.
لكن يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مستعدة للمجازفة، إذ أشار البيت الأبيض إلى أنه قلق من "التصعيد غير المنضبط"، عندما ألغت واشنطن تجربة روتينية لاختبار أسلحة كان من المقرر إجراؤها في مارس الحالي، وهو قرار أتى لتجنب أي سوء تفسير من قبل روسيا.
ويشير التحليل إلى أنه تبقى هناك إمكانية لاستخدام القنوات الخلفية للتواصل مع بوتين واستكشاف فرص خفض التصعيد، حيث يمكن إنشاء قنوات توصل رسائل بفتح مفاوضات غير مباشرة مع بوتين قد ترتبط برفع بعض العقوبات إذا أوقف القتال، وفي الوقت ذاته يعطيهم هذا الأمر إمكانية إنكار هذه الجهود إن تم مواجهتهم بالرفض الروسي.
وتختتم المجلة تحليلها بإعادة التأكيد على ضرورة الموازنة بين مضاعفة سياسات الردع ومخاطر التصعيد، مشيرة إلى أنه "لا ينبغي لأحد أن يكون واثقًا من أنه يعرف ما سيفعله بوتين".
الحرة - واشنطن