هل يصبح للصحفيين والأعلاميين ثلاث نقابات مهنية ؟
.. وأخيرا تفجر الموقف بين نقابة الصحفيين و" ناشري " المواقع الألكترونية ومن أول لقاء موسع بينهما من حيث لا يحتسب الطرفان ؟
انقلبت الصورة المشرقة التي كنا نتوقعها ونتخيلها عن هذا اللقاء الى الضد وأنبأت نتيجته التي آل اليها بأن كلا الطرفين كان يضمر " شيئا ما " تجاه الآخر او على الأقل كان ينتظر احتواء الأخر فيما انقسم " الألكترونيون " الى فريقين ودب الخلاف بينهم ما انبأ بأنهم ليسوا على قلب رجل واحد .
سقت ما سبق لأني اشهد كما غيري المخاض الذي تخوضه صحافة المستقبل ويتهدد وجودها محاولات احتوائها من جهة هنا او قوى هناك بالترغيب تارة وبالترهيب تارات اخرى .. فتراهم يرسمون حولها ألوانا زاهية وينعتونها بأرق العبارات وأجملها وفي نفس الوقت ينصبون في دروبها " الأفخاخ " كي يُعيقوا مسيرتها ويحطوا من قيمتها بين الناس .. فأكثروا الجدل واللغط حولها كوسيلة أتصال جديدة يصعب السيطرة عليها وشكمها لأنها فتحت افاق التواصل بين الناس دون حواجز بعيدا عن الرقابة المُسبقة والوصاية المفروضة والادارة المباشرة .. وانتبه الناس لأول مرة انهم اصبحوا احرارا في الوصول الى المعلومات او توصيلها والتعبير عن آرأئهم " فعلا " وقولا .. صورة وصوتا في ثوان معدودة ؟ ويتلقون أصداء
" أفعالهم " في زمن قياسي لايمكن تخيل سرعته ودقته .
تمترس وراء هذا الجدل الذي هب كعاصفة وما زال في وجه رواد الصحافة الألكترونية .. مراكز قوى تقاتل من اجل حماية مصالحها بكل السبل والأدوات قوى تفتك بخصومها دون رحمة وتستعبد اتباعها دون وازع من ضمير .. اضافة الى الحكومات التي اعتادت البطش وكتم الأنفاس ولجم الأفواه ، حكومات رأت في هذا الفتح الجديد طوفانا داهما يمس هيبتهما ويحد من طموحات المتنفذين فيها ويربك مناوراتهم ، طوفان لم يعتادوه او يعهدوه شدة وخطرا فقامت الدنيا ولمَا تقعد بعد !
وجد هذا الاعلام نفسه مستهدفا من كل صوب حتى ضاق عليه الفضاء قبل الأرض وتعرض لهزات افقدته في كثير من الأحيان توازنه ، وساهم بعض الدخلاء والأجراء .. واصحاب الأجندات الذين خاضوا غماره دون دراية مهنية في اضعاف موقفه فارتبك اداؤه واخذ يخوض معارك غير متكافئة دفاعا عن النفس والوجود وما جرى في النقابة الأحد الماضي الا احداها ؟.
نقابة الصحفيين لعبت خلال الفترة الماضية دورا محيرا مترددا غير حاسم! ولم توفق في اجتماعها الأول مع ناشري الصحافة الألكترونية من فرض وجودها لأن دعوتها كان مرتجلة لم تمهد لها باتصالات جس نبض او تحسس ضمائر الناشرين ومعرفة مراميهم او احتياجاتهم وانما اعتمدت على رغبة المواقع الألكترونية التي تواتر الحديث فيها عن الأنضواء تحت مظلة النقابة والاستفادة من قوتها المعنوية قبل المادية .. ؟ وايجاد ظهر تستند اليه في مواجهة اي تشريع مستقبلي ينظم ترخيصها ويحكم اداءها .
دعوة النقابة للناشرين عبرالصحف لم تكن واضحة وكانت دعوة عامة وهنا نقطة ضعفها فقد ساوت بين الاعلامي الحقيقي والصحفي عضو النقابة وبين الناشر الطارىء على المهنة او صاحب المدونة ؟ واغفلت - ربما من دون قصد – التعامل مع اتحاد الناشرين الجسم الجديد الذي يمثل معظمهم ولم توفق في اختيار الموضوعات التي ستناقشها معهم وهي " التعديلات المقترحة على بعض القوانين الناظمة للعمل الصحفي التي لايعرف مضمونها احد حتى الأن سوى مجلس الوزراء والوزير المستقيل !؟ وكذلك بحث قضايا وهموم المواقع الألكترونية ؟؟ فبأي صفة تلتقيهم وليس لها ولاية عليهم ؟ ثم هل تعرفت النقابة على اراء اعضاء هيئتها العامة اولا حول هذه التعديلات ؟ وهل تُخلي دعوتها لأعضائها تزويدها بملاحظاتهم على هذه التشريعات عبر موقعها الالكتروني مسؤوليتها الأدبية تجاههم وهي التي دعت غيرهم الى اجتماع تشاوري ؟ اي منطق هذا الذي تعتنقه النقابة ومجلسها الذي مازلنا نستبشر فيه خيرا حتى الأن .. وإن كنا نتمى عليه تأجيل شراء سيارة للنقيب او للنقابة توضع تحت تصرفه مع 300 دينار بدل بنزين شهريا الى فترة لاحقة !؟
قلنا في ورقة العمل المقدمة العام الفائت الى مؤتمر الاعلام الوطني الذي عقدته النقابه على شاطىء البحر الميت ان تعريف المؤسسة الصحفية لا ينطبق على الاعلام والصحافة الالكترونية او على المواقع .. فقد عرَف قانون نقابة الصحفيين رقم 15 لسنة 1998 المؤسسة الصحفية بأنها :
" الشخص الطبيعي او المعنوي الذي يصدر في المملكة مطبوعة صحفية "
وعرف قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 المطبوعة بأنها :
" كل وسيلة نشر دونت فيها المعاني والكلمات او الأفكار بأي طريقة من الطرق " وهو تعريف اذا تزيدنا في تفسيره لقال بعضنا ان الأنترنت وسيلة نشر وهذا صحيح لولا ان المشرع حدد في المادة الثانية من القانون انواع واصناف المطبوعات الصحفية على سبيل الحصر " بالمطبوعة اليومية " وهي التي تصدر يوميا بصورة مستمرة باسم معين وارقام متتابعة وتكون معدة للتوزيع على الجمهور .
والمطبوعة غير اليومية وهي التي تصدر بصورة منتظمة مرة في الأسبوع او على فترات اطول وتكون معدة للتوزيع على الجمهور ، والمطبوعة المتخصصة في مجال محدد وتكون معدة للتوزيع على المعنيين بها او على الجمهور وذلك حسب رخصة اصدارها يضاف الى ذلك نشرة وكالة الأنباء االمعدة لتزويد المؤسسات الصحفية بالأخبار والمعلومات والمقالات والصور والرسوم ".
بقي ان نقول ان قانون المطبوعات والنشر عرف الصحافة بأنها " مهنة اعداد " المطبوعات الصحفية " وتحريرها ! بمعنى ان ماسبق من تعاريف لاينطبق على غير الصحافة الورقية التي تلوث احبارها اصابع ايدينا كل صباح ؟
وبعيدا عن الاتهامات التي تبادلها الطرفان في لقاء النقابة او عقبه وبصرف النظر عما ادعاه وتبناه كل طرف على هذا الصعيد وبالرغم من ان اللقاء والخلافات والمناوشات التي جرت فيه قسَمت المواقع والصحافة الالكترونية الى فريقين الا اننا نرى انه كان مفيدا بكل المقاييس لأنه ازال الحاجز النفسي بينهما ووضع الجانبين وربما لأول مرة في مواجهة مباشرة يحتاجون اليها كفاتحة لبدء حوار يفترض ان يتواصل مستقبلا لما فيه مصلحة المهنة ومصالح العاملين فيها من شتى وسائل الأتصال ولعلي لم آت بجديد اذا قلت ان نقابة الصحفيين اخذت تفقد بريقها ودورها الريادي عندما سيطرت عليها ادارت المؤسسات الصحفية التي عملت على جعلها اداة لخدمة مصالحها وكرستها كنقابة مطلبية ، وكذلك عندما سمنتها واغتصبتها احدى الحكومات فحولتها من نقابة للصحافة الورقية الى نقابة " وسائل " اعلام " اعتقادا منها بان تغليب عضوية الأعلام الرسمي مع بعض " المأمورين " من باقي المؤسسات الصحفية سيؤمن لها السيطرة المطلقة على النقابة ومواقفها وهذا تحقق الى حد ما في فترات ودورات انتخابية مضت .. لكنه من الصعب ان يدوم ابدا .
طبعا لم يكن للنقابة في هذا الأمر حول ولا قوة ناهيك عن ان قانونها تجاوزه الزمن ويفتقد أدنى مبادىء العدالة والمساواة بين كل من ينضون تحته من مؤسسات وزملاء . .
من هنا ولأن النقابة في الأصل " للورقيين " وهذا ما يجب ان تكون عليه مستقبلا فما الذي يمنع ان يكون لزملائنا في الأذاعة والتلفزيون نقابة تخصهم ؟ وما الذي يمنع ان يكون للصحافة الألكترونية نقابة تظلهم ؟ ألا يوجد ثلاث نقابات للأطباء مثلا ؟ وربما يصبح لهم نقابة رابعة وخامسة حسب التخصصات الطبية ؟
باعتقادي ان الإشكال وحل معضلات ما نحن بصدده لن يتم بتعديل التشريعات الاعلامية لضم جماعة اوفصل غيرها اولأخضاع مؤسسة واستثناء اخرى وانما يتم من خلال التوقف عن سياسة التسمين والأحتواء والتقزيم والعبث في الجسم الصحفي والعمل على ايجاد نقابات لكل لون من الوان العمل الاعلامي تحقيقا للعدالة واحتراما لذوات العاملين في هذه القطاعات .. ثم لا مانع ان يقوم بينها مستقبلا اتحاد يجمعها وهي تجربة معمول بها في سورية والعراق !
والله من وراء القصد ،
عمر عبنده