رمضان الرواشدة - منذ أحداث، ما سمّي بالربيع العربيّ، قبل عقد من الآن، تزايد اهتمام مراكز الدراسات والأبحاث، وخاصّة الغربيّة، بهذه الأحداث مع التركيز الكبير على مشاركة تيّارات الإسلام السياسيّ فيها ووصلوها إلى السلطة في عديد من البلدان العربيّة والمآلات التي حدثت بعد تولّيهم السلطة بما فيها الانتكاسات التي جرت لهم في بعض هذه البلدان.
مؤخّراً، صدر عن "معهد السياسة والمجتمع" في الأردنّ و"مؤسّسة فريدريتش إيبرت" الألمانيّة كتاب " الإسلاميّون بعد عقد من الربيع العربيّ" أشرف عليه وشارك فيه وزير الثقافة والشباب الأسبق الدكتور محمّد أبو رمان إلى جانب عدد من المفكّرين والباحثين المنشغلين بالحركات الإسلاميّة، بمن فيهم شخصيّات من التيّارات الإسلاميّة. الكتاب، وهو عبارة عن وثائق جلسات فكريّة عقدت في صيف العام الفائت، بمجمله، يجيب على عديد الملاحظات التي تشغل بال الكثيرين، ويبسط بعض الحقائق حول مشاركة تيّارات الإسلام السياسيّ بالأحداث وما تلاها من تعقيدات أدّت إلى إخفاقات كبيرة، وتجربتهم في الحكم ببعض البلدان العربيّة ويستخلص الكثيرون أنّ " الإسلاميّين هم المستفيد الأوّل، والرئيس من أحداث الربيع العربيّ"، في حين يرى آخرون أنّ الإسلاميّين "أقوياء في المعارضة فاشلون في السلطة".
وباعتقادي الشخصيّ، ثمّة حاجة لمزيد من الأبحاث والدراسات حول تجربة تيّارات الإسلام السياسيّ، تستكمل ما تمّ نشره في مراكز الأبحاث العربيّة والغربيّة، وفي نفس الوقت، تجيب على تساؤلات حول قضايا ما زالت موضع خلاف مثل الإرهاصات والتداخلات المحلّيّة والدوليّة التي دعمت ودعت التيّارات الإسلاميّة للمشاركة في الربيع العربيّ وبالتالي تولي السلطة.
من أبرز الأمور التي تناولها الباحثون واعتقد، شخصيّاً، بضرورة الاستمرار ببحثها بشكلّ مستفيض وواسع بمشاركة ممثّلين عن الأحزاب الإسلاميّة ما يلي:
أوّلاً- التغييرات الفكريّة التي طرأت على جماعة "الإخوان المسلمين "في الأردنّ، بما فيها التغييرات "البنيويّة " في قاعدة وقيادة التنظيم، خلال السنوات الأخيرة، وطريقة مشاركتهم حراك الشارع أثناء الاحتجاجات التي جرت في الأردنّ انطلاقاً من العام 2011، وهو ما يحتاج إلى وقفة أخرى لتقييم " التجربة الأردنيّة" للإسلاميّين.
ثانياً- الأسباب الموضوعيّة والتنظيميّة والأخطاء السياسيّة، الداخليّة والخارجيّة، في تجربة تنظيم "الإخوان" المصريّ الّذي استطاع الوصول إلى الحكم، ومن بينها غياب التصوّر العمليّ لإدارة الدولة وما طرحوه من قضايا سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة خلافيّة، مثل تغيير الدستور والقوانين لتناسب أهواءهم، والتفرّد بالسلطة وإقصاء الآخر، وطبيعة "الفكّ والتركيب" في تحالفاتهم مع باقي الأحزاب المصريّة حيث استبعدوا من السلطة حتّى المتحالفين معهم مثل حزب " النور" السلفيّ. وجود الإسلاميّين في الحكم دون برنامج حقيقيّ أدّى إلى تعميق الأزمة القائمة وخلق المزيد من الأزمات الجديدة وتسبّب، بعدها، بحدوث تغييرات داخليّة وتسارعت الأحداث الشعبيّة والمواجهات في الشارع، ما دفع الجيش إلى إطاحة حكم "الإخوان" في صيف 2013 الساخن.
ثالثاً- تجربة "حزب النهضة"، في تونس، وهي تجربة بدأت معتدلة، لأسباب لها علاقة بطبيعة المجتمع التونسيّ أوّلاً، وطبيعة التنظيم وتفكير قياداته المنفتحة أكثر من نظيراتها في الدول العربيّة المشرقيّة ثانياً. والمآلات التي أوصلت تونس إلى حالة الانسداد السياسيّ نتيجة الخلافات بين "النهضة" وباقي الأحزاب التونسيّة وكذلك خلافاتهم العميقة مع رئيس الجمهوريّة، إلى أن قام الرئيس قيس سعيّد بإجراءاته الاستثنائيّة الأخيرة المتمثّلة بحلّ المجلس التشريعيّ وإقصاء حزب " النهضة" عن المشهد التونسيّ.
رابعاً- التجربة الفريدة لحزب "العدالة والتنمية" الإسلاميّ في المغرب، وفوزهم الكبير بالانتخابات منذ 2011، وتشكيلهم أربع حكومات لمدّة عشر سنوات، بالائتلاف مع عدد من الأحزاب الأخرى، تولّاها كلّ من عبد الإله بن كيران وسعدالدين العثمانيّ، وجاءت هذه التجربة بعد تعديلات دستوريّة وقانونيّة في المغرب، تبنّاها الملك محمّد السادس، وأنهت عقوداً من القطيعة مع التنظيمات الإسلاميّة. والمهمّ قراءة المشهد الأخير بعد خسارتهم، وإخفاقهم الكبير في الانتخابات التشريعيّة الأخيرة، نتيجة معاقبة الناخبين لهم على مواقفهم وسياستهم "التطبيعيّة" مع الكيان الصهيونيّ المحتلّ لفلسطين إضافة إلى عوامل موضوعيّة أخرى، تتعلّق بالأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
خامساً- الحاجة إلى توصيف وقراءة معمّقة لطبيعة وتاريخ تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا ومشاركتهم منذ اندلاع الأحداث العام 2011 بالقتال والعمل المسلّح والتحالفات الداخليّة الّتي نسجها والارتباطات الخارجيّة والدعم الّتي تلقّاه، إضافة إلى طبيعة العلاقة مع تنظيمات تكفيريّة متطرّفة مثل جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" لاحقاً، وتنظيم داعش وغيرها من الفصائل المسلّحة.
..... تقييم تجربة الإسلاميّين، بعد عقد من الربيع العربيّ، سواء في الحكم أو المعارضة النيابيّة والسياسيّة، أو المشاركة بالعمل المسلّح، موضوع ما زال يجتذب الكثير من المفكّرين والباحثين العرب والغربيّين، وما الكتاب الأخير، المشار إليه سابقاً، إلّا حلقة من حلقات متتالية، لم ولن تتوقّف، أبداً، ما دام ثمّة انتشار في الدول العربيّة لتنظيمات الإسلام السياسيّ المختلفة.