معتصم مفلح القضاة
لم أجد من تشبيه لهروب الحكومات العربية في الربيع العربي من الإصلاح، إلا كما طفلٍ يهرب من تحميلة خافض الحرارة، فلا بأس إن قلنا تحميلة الإصلاح كوصف مبسط لاستحياء الحكومات من الإصلاح وتنفيذه.
الإصلاح يأتي بتأثير سريع وفاعل كما التحميلة، فلابد ان تسارع الحكومة بتنفيذ المشاريع الاصلاحية كما يسارع الطبيب في وصف التحميلة للطفل ، انطلاقا من الدستور وحتى قوانين السير والمرور.
الإصلاح ( تحميلة) وصفها الطبيب ( الشعب) لمصلحة المريض ( الوطن) ونتائجها ستكون عامة على سائر الجسد، لأن ارتفاع الحرارة قد يضرب أجهزة حيوية كثيرة، قد تصل بأسوأ حالاتها إلى الدماغ وتؤدي إلى الشلل، مروراً بالعقم واختلال بالنسل، ناهيك عن الأزمات النفسية والخسائر التي ستلحق بمحيط المريض ولن تقتصر عليه فحسب.
ثم إن هروب المريض من هذه التحميلة لن يحميه ولن يعفيه من تحمل مخاضها، إذ قد تتدخل إيدٍ خارجية لتثبيته من يمين وشمال، وقوى أخرى تدفع بقوتها من أجل شقلبة المريض على وجهه لتسهل عملية دفع التحميلة إلى أعماق سحيقة.
لأجل هذا التشبيه ولأجل هذا السيناريو أقدم نصحي لحكومة بلدي أن تستر على نفسها قبل تدخل تلك الأيدي التي قد تتعامل معها بعنف وقسوة، وأن تسارع لوضع هذه التحميلة في وقتها المناسب طلباً لراحة المريض وتجنيبه آثار المرض الجانبية، وأن تكون حقنة الإصلاح تتناسب طردياً مع حجم المرض لا ضحكاً على الفايروسات واستخفافاً بوصفة الطبيب.
الإصلاح المطلوب (إصلاح علاجي) لما خلفته أيدي المفسدين على مر عقود من الزمن، لا إصلاح وقاية من الثورات التي قد بدأت تهدد أزلام الفساد، وليس إصلاح تخديري وتجاوز للأزمة إلى أزمة أخرى أشد فتكاً وأبلغ ضرراً.
وهو إصلاح قوانين المؤسسات التشريعية والمحاكم الدستورية، لتسود مؤسسة القانون وتحكم على جميع مناحي الحياة العامة، فتقضي على جاهات وعطوات (لفلفة) الفساد والمفسدين.
إن عميت الحكومة عن مواطن الفساد وأساليبه، فالشعب أضحى مبصراً بكل فاسد بات يتناقل كل حيل المفسدين على سبيل التندر والفكاهة، تماماً كما يتندر أصدقاء الطفل الذي فضح نفسه بصراخه من أثر التحميلة التي أجبر عليها ورفض أخذها بستيرة ويسر.
أيها الطبيب رفقاً فالطفل غرر
إن تركته مات
ومات الضرر
وتأوه قبل الفراق وما صبر
فارفق لعل حليماً يناجي بسحر
لك الله أيها الطفل الأغر
لك الله يا وطن الدرر
ainjanna@hotmail.com