خالف الأعيان تعديلات النواب في بعض مواد قانون الأحزاب وعليه يعود القانون للنواب فإن اصرّوا على رأيهم يتم الذهاب الى جلسة مشتركة تحتاج الى نسبة الثلثين من الأصوات وإلا يبقى النص الأصلي الوارد من الحكومة.
إذا لم تكن التعديلات ذات شأن مفصلي يميل الأعيان غالبا لتمرير ما جاء من النواب، وأنا لم أر ان الأمر كان مفصليا. بل أن قان الأحزاب كله ليس مفصليا بشأن الهدف المقصود وهو تنمية الأحزاب وتمكينها فالقضية في مكان آخر.
قانون الأحزاب بذاته ليس له إلا وظيفة تنظيمية لإكساب الأحزاب الشخصية القانونية وتوفير مرجعية للقضاء للبت في أي خلافات. ما بعد ذلك فكل شيء يتصل بقانون الانتخاب وأنظمة التمويل والحوافز لتحقيق متطلبات معينة مثل العدد ونسبة النساء والشباب وحجم التحصيل في الانتخابات. وعلى ما أر فالسجال والتجاذبات والوقت والجهد الذي سيصرف حول البنود الخلافية سيكون نوعا من التغميس خارج الصحن.
الفرضية المؤسسة لقانون الانتخاب هي أن نصل الى أحزاب برلمانية كبيرة تمثل التيارات الرئيسية في المجتمع فتم صياغة بنود القانون باشتراطات لنموذج الحزب المفترض من حيث عدد الأعضاء ( ما لا يقل عن الف) ونسبة الشباب والنساء ( ما لا يقلّ عن 20% ) ووجود فعلي على الأرض وليس على الورق ( عقد مؤتمر لجميع الأعضاء يحضره ما لا يقل عن نصفهم) وهذا بعد تنازل من اللجنة لما افترضت انه الحد الأدنى الضروري، وكان هذا هو الخطأ المنهجي ابتداء كأن الأمر يتعلق بإرادة وقرار المؤسسين وليس بعملية سياسية – اجتماعية تفضي الى افراز هذا النموذج. في الحقيقة تم قوننة ممر افتراضي قامت هندسته على قلة الخبرة والمعرفة السياسية مع وجوب الامتثال لإرادة جلالة الملك بتحقيق هدف تحزيب الحياة السياسية والبرلمانية.
من البداية كان لدي رأي آخر يعتمد أساسا على قانون الانتخاب ونظام التمويل وخارطة طريق تنفيذية تقوم على الحوافز والتوجيه. فمثلا كان يكفي وضع قانون انتخاب يفترض بالمرشحين في جميع الدوائر ان يكونوا جزءا من قائمة وطنية يجب أن تحصل من مجموع الأصوات في الدوائر على عتبة معينة فتحصل على مقاعد من الدوائر المحلية إضافة مقاعد من الدائرة الوطنية بنسبة اصواتها فسوف نجد ان جميع الأحزاب والمرشحين المستقلين سوف ينتظموا في قوائم لا تتجاوز أصابع اليدين وسينجح منهم عددا من الكتل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وهذه نعترف بها كأحزاب برلمانية. وهذه ينظم قانون الأحزاب وجودها وانضباط الأعضاء فيها ونظام التمويل العام لها الخ. لكن هيهات.. ليس فقط ان هذه الفكرة الأساسية لم تجد من يستمع لها (باستثناء قلة تعد على الأصابع) بل وكل مقترح لاحق حاول أن يستدرك ولو جزئيا عناصر من هذه الفكرة الأساسية. وبالنهاية فإن قارب التحديث السياسي بدل ان يوضع في قناة رئيسية تسير به في خط مستقيم الى الهدف وضعناه في قناة ضيقة تلتف به في معارج لا نعلم ما تخبئه لنا.
الخلاف التشريعي حول بعض البنود في قانون الأحزاب هو على هامش الهامش من القضية الحقيقية. مع ذلك لنأخذ إيجابيا هذا التمرين في سياق الحراك الذي خلقه مشروع التحديث وهو خير من الركود كما أن المشي خير من القعود والصلاة خير من النوم.