سلامة الدرعاوي - رغم كل التحديات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطنيّ من تداعيات كورونا التي ما تزال آثارها عميقة في الاقتصاد ولم تنته بعد، مرورا بالحرب الروسية الاوكرانية التي تلقي بظلال قاتمة على اقتصاديات العالم بأسره، إلا أن وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز ثبتت التصنيف الائتماني السيادي للمملكة عند مستوى B+B+ ، وهي نظرة مستقبلية مستقرة تتجاوز كل الاحداث السياسيّة والأمنية وتداعياتها في المنطقة، فما السبب وراء هذه التصنيف غير المتوقع عند البعض؟
العوامل التي دفعت ستاندر اند بورز إلى تثبيت التصنيف الائتماني للمملكة تعود الى مجموعة من العوامل اهمها:
اولا: تلمس المجتمع الاقتصاديّ الدولي وتحديدا من قبل المؤسسات الماليّة العالمية إصرار رسمي على تنفيذ الاصلاحات الاقتصاديّة الداخليّة، وهذا ما تلمسوه فعليا من خلال الإصلاح النوعي في الهيكل الضريبي من حيث مكافحة التهرّب وتوسيع قاعدة الشمول الضريبي.
ثانيا: استمرار الدعم الدولي للاقتصاد الوطنيّ من كبرى الدول المانحة التي ما تزال تنظر الى الأردن لدوره الاستراتيجي في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية التي تعتبر الشريك والداعم الاقتصاديّ الأكبر للأردن.
ثالثا: سياسة التحوط التي تبنتها الحكومات بتوجيه ملكي مباشر فيما يتعلق ببناء احتياطي آمن من المواد الغذائية الأساسية وعلى رأسها القمح الذي يملك الأردن منه احتياطيات تناهز تغطية احتياجاته لأكثر من 17 شهرا، مما خفف عنه بعض الضغوطات السعرية في البورصات العالميّة الراهنة.
رابعا: تجاوز الكثير من تداعيات كورونا والاستمرار بالعودة التدريجية للحياة والانشطة الاقتصاديّة المختلفة، وهو ما عزز إعادة الاعتبار لمختلف القطاعات ودورها الإنتاجي في تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ النسبي.
لكن بالمقابل ما تزال التحديات تعصف بالاقتصاد الوطني وتشكّل تحديا حقيقيا امام أولويات الإصلاح خاصة في ظل استمرارية ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والمواد الغذائية الأساسية وسلاسل التوريد، وهو ما سيشكل خطرا عميقا على الاستقرار الاقتصادي خاصة في ظل توقعات باستمرار حالة التضخم العالمي لأشهر طويلة.
أيضا ما تزال معدّلات البطالة في اعلى مستوياتها (23.2 %).
قد يكون الأكثر خطرا على الاستقرار الاقتصاديّ هو الضغوطات الماليّة الاستثنائية التي تواجه الخزينة خلال الاشهر المقبلة والمتمثلة في كلف دعم إضافية لعدد من السلع أهمها: فاتورة النفط التي في حال استمرار اسعار النفط بهذا الارتفاع الجنوني فإن الفاتورة ستزداد بنسبة لن تقل عن 35 %، والأمر مشابه لكلف الدعم الموجّه للقمح والخبز والغاز وغيرها من السلع التي تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار والخزينة التي ما تزال تتحمل جزءا منها.
النظرة المستقبلية المستقرة التي توقعتها المؤسسات الدولية حول الاقتصاد الأردنيّ ستمكن المملكة من توفير مساحات ماليّة جديدة بأسعار فائدة منخفضة نسبيا، وهذا ما سيشكل المفتاح لبناء استراتيجية إدارة الدين للفترات المقبلة، من حيث توفير قروض جديدة بفوائد منخفضة، وإحلالها بدلا من قروض ذات فائدة عالية، لتشكّل بذلك أولى خطوات السير باتجاه معالجة المديونية وايقاف نموّها السلبي.
لا احد يستطيع ان ينكر الدور السياسي المهم في تعزيز علاقة الأردن مع تلك المؤسسات الماليّة العالميّة، فالعامل السياسي لاعب رئيس في تشكيل الانطباعات الإيجابية عن الاقتصاد الوطنيّ، وهو موقف داعم للمملكة وقيادتها التي تلعب دورا استراتيجيا مهما في المنطقة وتحظى باحترام وتقدير المجتمع الدوليّ.