تشير معظم الأدبيات والدراسات والوقائع التاريخية أن فكرة تزوير الانتخابات ليست وليدة العصر الراهن ولا هي مقصورة على مجتمعات بذاتها. إن تزوير الانتخابات هي الشمّاعة الجاهزة دوماً لكل خاسرٍ فيها. وقلما يكون هناك انتخابات تجرى دون أن يتم إدانة أو اتهام الآخرين بالتزوير. يعتبر التزوير الانتخابي مدرسة لها أخصائيوها وخبراؤها وهم ليسوا من فريقٍ دون آخر، ويجد الباحث في التاريخ الانتخابي مواد دسمة في تقنيات التزوير وأشكال التحايل التي يلجأ إليها الطرف هذا أو ذاك. إن البحث في انتهاكات ومخالفات العملية الانتخابية من الموضوعات ذات التضاريس الوعرة، فالموضوع شائك، لأن معظمه يقوم على البحث الميداني وجمع معلومات ومعطيات ووقائع غير مدونة، وبعضها يُعدُّ «سر الأسرار» للمرشحين، لا يُشجّع أحد على كشفها، فضلاً عن أن غالبية السياسيين يبتعدون عن الخوض في هذه الموضوعات.
إن كل نظام انتخابي، حتى وإن اعتبر جيداً، يتحول إلى نظام مشوه بفعل مرور الزمن، ويعود ذلك إلى سبب عملي هو أن استمراريته لوقت طويل ينتج عنه خبراء في الانتخابات، ليس لأنهم الأكثر شعبية، بل لأنهم بفعل الخبرة أكثر مهارة في التحكم بالماكينة الانتخابية، يمكن تعريف التزوير الانتخابي بأنه سياق متداخل يتضمن مجموعة الأساليب غير النظامية التي تحصل أثناء تقديم الترشيحات، أو وضع قوائم الناخبين، أو عمليات الاقتراع والفرز، ويكون من أهدافها أو مفاعيلها التأثير على نتائج الاقتراع، هذا التأثير ممكن من خلال القانون الانتخابي، كتوقيت إعلانه مثلاً، أو حتى قبل ذلك، أثناء عمليات التحضير لإقراره عبر أشكال تقسيم الدوائر الانتخابية وطريقة تأليف اللوائح وشروط الترشح وتعليمات الاقتراع، ويمكن التمييز بين التزوير وبين الإجراءات غير النظامية بأن التزوير هو متعمّد عن سابق تصوّر وتصميم، ما يعني أنه منظّم، بينما الإجراءات غير المنظمة فهي انتهاك القانون الانتخابي بسبب جهل قواعده، وفي مفهومه المادي يُعدُّ التزوير تحريفاً لإرادة الناس، فإذا كانت تسير في اتجاه ما، يتم استخدام أساليب منحرفة وغير قانونية، لتغيّر هذه الإرادة في اتجاه آخر، ويمكن التمييز بين التزوير وبين التأثير على النتائج، فالتزوير يتضح في التلاعب بعدد الأصوات خلال عملية الاقتراع وهو يعني أنه محصور بيوم الانتخاب فقط وينعكس تغييراً في عدد الأصوات عبر مصدرين: الأول مباشر، ويقصد به التزوير التقني أي إسقاط الأوراق في الصناديق وإضافة الأصوات أو إنقاصها، وسرقة صناديق الاقتراع وإبدالها وتغيير محاضر الفرز، والتلاعب بعملية احتساب الأصوات، وخرق مبدأ سرية الاقتراع وانحياز رؤساء اللجان، أما المصدر الثاني فهو غير مباشر ويُقصد به مجموعة وسائل الضغط التي تؤدي إلى تشويه عمليات التصويت، وثمة محاور لضمان نزاهة العملية الانتخابية تتمثل بما يأتي: 1- احترام حرية التنقل والتجمع وتكوين الجمعيات والتعبير أثناء فترة الانتخاب 2- التأكد من أن جميع الأحزاب قد أجرت أنشطتها السياسية في حدود القانون 3- تحرّي أن لا يكون أي حزب سياسي أو جماعة ذات اهتمام خاص قد خضعا لقيود تعسفية وغير ضرورية فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام أو فيما يتعلق عموما بحرية توصيل آرائها 4- تمتّع الأحزاب والمرشحين والمؤيدين بالأمن على قدم المساواة 5- مستوى تمكين الناخبين من التصويت بحرية بدون خوف أو تهديد 6- درجة الحفاظ على سرية الاقتراع 7- التأكد من أن الاقتراع قد جرى في مجمله بطريقة تتفادى التزوير والخروج على المبادئ القانونية. إن العوامل التي عزى إليها الدور الأهم في العمليات الانتخابية هي القيود المفروضة على الحريات المدنية والسياسية، وسيادة التزوير وغيرها من أساليب فرض ارادة، فهذه العوامل مجتمعة تعمل على إلغاء أثر المؤسسات الانتخابية، عن طريق الحد من تنافسية الحملات الانتخابية، وتزوير نتائج الانتخابات نفسها، وكثيراً ما يتم هندسة النظام الانتخابي من أجل الوصول لنتائج محددة ومرغوبة. إن خطورة النظام الانتخابي تتمثل في كونه الأداة التي تقرر سلفاً نسبة وطبيعة الخريطة للمجلس التشريعي الذي سيتمخض عبر نتائج التصويت بحسب النظام الانتخابي.