مكرم أحمد الطراونة - وجود نحو مليون ناخب وناخبة من الفئة العمرية من 18 إلى 22، أي ما يعادل نحو 10 % من سكان الأردن، أمر لا يستهان به، فهذا الرقم وإلى جانب أرقام أخرى على رأسها أن أكثر من 65 % هم تحت سن 35 عاما، يعني أن سياسات الدولة تسير في الاتجاه الخاطئ، والبوصلة أبعد ما تكون عن الاتجاه الصحيح، إذا ما تعلق الأمر بنهضة البلد وتطورها، والاستفادة من الطاقات الموجودة فيها.
نتحدث عن ملايين الشباب والشابات غير موجودين في حسابات الحكومة إلا عبر الشعارات، والتصريحات الصحفية، رغم أن هذا الرقم كنز تتمناه دول عديدة تعاني من شيخوخة أفراد مجتمعها، لكننا نصر على تهميشهم عبر استبعادهم من أي استراتيجيات حقيقية تحاول الاستثمار بهم.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بلغت نسبة الاقتراع النهائية 29.9 %، وعلينا قياس مشاركة الشباب من هذه النسبة الكلية، وها نحن على بعد يومين من انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية ومجلس أمانة عمّان، بينما لم تنفذ الدولة أي برامج حقيقية لضمان مشاركة كبيرة لهذه الفئة.
صحيح أن مشروع قانون الانتخاب الجديد أخذ بعين الاعتبار ضمان مشاركة فاعلة قبل الشباب سواء بالترشح أو بالانخراط السياسي في العملية الانتخابية، لكن لا يجوز أن نجمل الصورة أو نزورها، فضمان مشاركة أكبر شريحة ممكنة من الشباب لا يقتصر على نصوص قانونية تخط بالحبر على ورق، بقدر ما هي صناعة فكر سياسي قادر على الانخراط الفعلي في مشروع قوامه سنوات عشر من الآن.
مليون ناخب وناخبة في الفئة الشبابية الصغيرة، لا بد أن ينقصهم الوعي السياسي والاقتصادي، خصوصا مع جيل قضى معظم حياته حبيس التكنولوجيا التي أبعدته عن الاشتباك الحقيقي مع الواقع، وفي ضوء ضعف مخرجات التعليم عجز عن خلق جيل يتحلى بقدرات تحليلية ونقدية وابتكارية، بقدر ما خرج جيل استقى معرفته من الحفظ والبصم على أيدي معلمين لم يطوروا من أنفسهم، ولم تقدم لهم الدولة وسائل تدريبية مناسبة.
إنها حقيقة لا يمكن إغفالها، فعلى سبيل المثال، نسبة كبيرة جدا من المتقدمين لامتحانات ديوان الخدمة المدنية للحصول على وظيفة لا يستطيعون تجاوز الامتحان من المرة الأولى، ليصطدموا بعد ذلك بتحقيق فشل ذريع في المقابلات الشخصية نظرا لضعف تواصلهم الاجتماعي.
في المنزل، أسهمت الضغوط المالية في زيادة العبء على الأهالي الذين ينغمسون اليوم في معاناة تأمين نفقات التعليم والرعاية والطعام لأولادهم، فبات الأب غير قادر على خلق نافذة حوار مع أبناء بيته، فهو لا يملك ذهنا صافيا لزرع بذور المعرفة، وبناء شخصية أبنائه.
الأردن اليوم محاط بجيل لا يقرأ، ولا تشمله برامج حكومية تهدف إلى الاستفادة من ذكائه وقدرته على تطويع التكنولوجيا لصالحها، حيث نتبع سياسة “اذهب أنت وربك فقاتلا”، فعلى كل شاب وشابة في هذا البلد أن يشقى ليجد له مكانا يستظل تحته، عسى أن يتمكن من سبر غوار التحديات الصعبة التي تحيط به من كل صوب.
إذا كان الأمر كذلك، فأي مستقبل نرجوه، ونحن نفخر بأعداد شبابنا، لكن من دون أن نقدم لهم يد العون ليكونوا بناة المستقبل، وقادة الغد؟