حـثّني على مدى 30 عاماً، المئات من الأصدقاء على كتابة سيرة - حكاية ترصدُ جزءاً من كفاح أبناء شعبنا العصاميّ، الذين شـقّوا دروبهم في برازخ الحياة الموحشة، وقسوة ظروف الأردن، ولا يزالون يشقّون، مبرهنين على أنَّ في الأردن فرصاً تفوق فرص أميركا.
تردّدتُ لأنَّ السيرة - الحكاية في نظري عمل عظيم، وكان يُثبِّطني ويزيد تردّدي في كتابة السيرة، هذا الغثاء الذي يندلق على الذائقة العربية من روايات ساذجة، لا تستحقُّ حِبرَها وورقَها.
ماذا تفعل عندما يحثّك على التدوين، كتابٌ ومثقفون ومفكّرون، مثل سعد البزاز، ورياض أبو كركي، وممدوح العبادي، وهشام التل، وسالم النحاس، ومازن الساكت، وسليمان الفرجات، وناهض حتر، وطارق مصاروة، وأحمد ماضي، ومالك حداد، وعلي الحراسيس، والعبد العكايلة، وحسين العموش، وعصام عبيدات، وعرفات الأشهب، ومحمد موسى المرقطن، وأسامة تليلان، ونواف عبابنة، وهشام القواسمة، ومحمد المشايخ.
لقد لعب أؤلئك الأعزاء دوراً مؤثراً في زحزحتي عن موقفي، فكتبتُ ما أطلب الترفّقَ به على قاعدة «العفو عند المقدرة».
وقد مـرّ عليَّ في حياتي نشامى ورجال محترمون، كما مَـرّ عليَّ هملٌ من مختلف الطبقات، وفي كلّ المواقع، وحتى في المواقع العليا، وأثناء خدمتي في وزارة الزراعة، تكشّف لي كم انحدرت الأخلاق، وإلى أيِّ دركٍ تفاقم الارتزاق، فقد تعرّض لي بالإساءة هملٌ، أوشكت أن أهبط وأسقط فأقاضيهم.
أرسلتُ إلى المحامي الدكتور إبراهيم الطهراوي، صورةً عن الكتابة الركيكة القبيحة الطافحة بالضغينة والإساءات، جاءني إلى الوزارة وهو يقول: «أخي أبو عمر، هذه المادة تدين كاتبها الغبي بكلّ تأكيد».
قلت: تمام، لقد لاحظتُ ذلك، وهي كتابة ينطبق عليها وضع «إمساك الثور من قرنيه».
قال ضاحكاً: أيُّ ثور وأيُّ قرنين يا معاليك.
وأضاف: بعد إذنك، لي ملاحظة.
قلت: هاتِ ما عندك.
قال: ألا ترى أنّه أقل من أن يكون خصما لك؟
وكأنّ مطرقةً هوت على رأسي فأيقظتني، أجبته فوراً: «ما أنبلك يا صاحبي ! هذا هو المحامي المحترم النبيل، فعلاجُ الناسِ «الدون»، هو في استمرار الترفع عنهم».
لقد أوشك الغضبُ أن يضعني دون ما أنا عليه، وأن يضع هاملاً فوق ما هو عليه.
قذفت أوراق القضية إلى سلة الزبالة -ولا أقول سلة المهملات- قائلاً: «شكراً دكتور إبراهيم، نعم.. لن أخاصم صغيراً».
- (مقطع من كتاب «من الكسارة إلى الوزارة» - صفحة 241).