على رحابة الدنيا والحياة والقانون، إلا أنها تضيق في وجه الكادحين الصابرين الذين التزموا بالمثالية..
حين يقول القائل بأن البلاد فقيرة وأن قسمة (سايكس-بيكو) استعمارية ظالمة، وأن الأردن دولة محرومة من الماء، ولا منافذ بحرية مناسبة لديها، يقال له البلد بخير وغنية بالموارد، وفي عين الحقيقة لا موارد حقيقية في هذه القسمة، سوى قيادة سياسية ذكية قبضت على الجمر، واستطاعت أن توفر للأردن بيئة سياسية واقتصادية تمكنه من مجاراة الواقع الصعب، وتستوعب التحديات الخارجية والداخلية الكثيرة.. وما زالت تسعى لتأمين مستوى مقبول من ظروف حياة ممكنة، وسط كل هذه الحقائق الصعبة والتحديات الممنهجة، أما الذين يريدون المزايدة علينا وعلى الحقيقة، فيقولون بأن البلاد تعوم على محيطات من الموارد الطبيعية، فندعوهم لاستخراجها وإنقاذ الناس من ظروفهم التي أصبحت مستحيلة.
يقولون بأن الدنيا (عشرة على عشرة) والوضع عال العال، بينما الواقع يقول غير هذا:
-الصابرون الملتزمون بكل حذافير القوانين والأصول والأخلاق والمنطق، يكدّون في الحياة بشرف، فيكدحون في مناكب البلاد، يبذلون كل جهد ويسألون الله البركة، فيتعبون على أبنائهم، ويقومون بتعليمهم، فيحصلون بتفوق على شهادات عليا في أفضل التخصصات، لكنهم لا يجدون فرصة عمل، وتموت آمالهم وأحلامهم كلما فكروا بمستقبل، حتى تأمين صحي لا يملكون لمداواة تعبهم وقلقهم وانهيار نفسياتهم حد الكآبة.. ويقول القائل (الدنيا بخير.. وكل حتى تشبع).
-وآخرون؛ لا يكادون أن يتعبوا، أو تتعرق أجسادهم، أو يسهروا هم أو أبناءهم على تعليم أو حتى بحث عن وظيفة، فيحصلون على كل امتيازات التعليم والتوظيف، و(لا يعجبهم عجبا)، وحين تقل الخيرات عنهم يلعنون البلد وكل والد وما ولد !.
-وحين يقرر بعضهم الاعتماد على نفسه كليا، ويبتعد عن القطاع العام وامتيازاته ووظائفه ومؤسساته، ويعيش بجهده وعرقه، تتحالف التعليمات والقوانين الطارئة فتحلبه حلبا، وما زال يضرب الأخماس بالأسداس يتقصى فهم بعض التعليمات والمعادلات والرسوم والضرائب، كفاتورة الطاقة (كهرباء ومشتقات وقود، وطاقة شمسية)، فهي حلف من تعليمات ما زال ملتبسا حتى على الأذكياء والعباقرة.
-وفي السوق يتوغل التوحش وتنتهي الحقوق، فلا تعرف كيف تجمح الأسعار، ولا تتوفق في فهم نوايا وأخلاق كثير من التجار، فهذا مزارع بسيط يكد ويشقى، ويبيع محصوله بسعر بالكاد يغطي تكاليف انتاجه، بينما تحلق أسعار منتجاته فوق السحاب بعد أن يخرج محصوله من الحقل !.. معادلة لم يعرفها العالم سوى في أسواق المقامرة والربا واسواق «الحرامية».. وسلاسل التبرير والتسعير تستعصي على كل نظريات البيع والشراء، ولن تتوقف هذه التراجيديا الا ان يموت الناس جوعا.
و»كل حتى تشبع».
واحمد الله فلا أحد بيده الخير والخلاص سواه.