يحسب للأردن أنه كرّس ومأسس عمليات الانتخاب لمعظم هيئاته ومجالسه سواء المحلية أو التشريعية أو النقابية وأية تجمعات ذات صبغة تحتمل الانتخاب. لكن وهذه ليست مثلبة وإنما لغايات تطوير العمل وآليات الانتخاب.
ابتداء نبارك للفائزين في الانتخابات على أمل أن أن يدركوا مع أول جلسة لهم في البلدية حجم العبء والعجز المالي والبطالة المقنعة والموارد المستنزفة والنفقات التشغيلية التي تأكل كل إيرادات البلدية، ولا أعلم عن بلدية لديها وفر مالي أو تستطيع اقتطاع نسبة معقولة من موازنتها لغايات تنموية أو مشاريع تشغيلية.
إن المشهد العام للبلديات بحاجة إلى دعم كبير من قبل الحكومة كي تتمكن من القيام ببعض المهام الرئيسة، حيث يلاحظ أن كثيرا منها لا تستطيع إجراء الصيانة اللازمة للشوارع الرئيسة فيها ناهيك عن الفرعية.
لا توجد لدينا ثقافة منح الروح والطابع الخاص للمدن والقرى الكبيرة، فلا مداخل تتميز بها هذه عن تلك، ولا فضاءات أو منتجات تأخذ لونا وشكلا ونكهة خاصة بتجمع سكاني عن غيره.
إن تجربة الانتخابات البلدية واللامركزية لم تكن بذاك الإلحاح والاستعجال قبل أن تستكمل قوانين الحياة السياسية وبالذات قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، فلم تكن تجربة الدورة الماضية للبلديات واللامركزية تبشر بأنها قدمت الصورة الحقيقية لمفهوم التمثيل الشعبي، وايضا شاب عمل اللامركزية كثيرا من اللغط نتيجة عدم وضوح الدور والمهمات المناطة بالفعل لأعضاء اللامركزية، وسمعنا عن مشاحنات وتداخلات في الاختصاصات ما بين رؤساء اللجان في مناطق الأمانة وبين المديرين الفنيين للمناطق، كذلك لو سألنا المواطنين عن دور عضو اللامركزية، ربما لن نفاجأ إذا وجدنا الغالبية العظمى لا تعرف شيئا عن مهماته.
إن الدول التي أرست العمل الحزبي فيها، حيث يستند الترويج للحزب وقوته ابتداء من العمل في البلديات، وتجد أن الحزب الذي يستلم السلطة هو ذاك الذي يستلم البلديات ويقدم من خلالها الخدمات ضمن برنامج عمل حزبي واضح ومحدد.
هذه الدول لم تعد تعاني من عبء أي قانون انتخابي بسبب تكريس وعي وفهم جماهيري للعمل الحزبي والانتخاب بموجب ذلك، فهي تعدت حالات الاحتقان وصراع الفرعيات إلى تنافس شرس قائم على الأحزاب وبرامجها وما تعرضه للشعب من خدمات.
لقد أنهكت الدولة خلال العقود الماضية عبر اجتهادات وتغيير في قوانين الانتخاب التي كان مقتلها يتمثل بقانون الصوت الواحد، هذا النمط من الانتخاب أثبت في جملة تجاربه أنه لم يحقق أية غاية وطنية، بل ربما ساهم في تفتيت وتجزئة الولاءات واحتدام الصراعات وزيادة الشحن والضغينة حتى داخل العائلة الواحدة.
إننا ونحن نعبر سنة 2022 وبعد سلسلة من التجارب الانتخابية، فقد آن الأوان أن نتوقف عن عدم تحقيق أية نتائج مرجوة، بأن يصبح الانتخاب قائما على البرامج الحزبية. حينها يكون للعمل العام والعمل السياسي والتشريعي معنى ولون وقيمة رفيعة المستوى.
نكرر التهنئة للفائزين ونتمنى أن يكون اليوم التالي للانتخابات يوم عمل حقيقي يسعى فيه كل بموقعه للبحث عن آفاق وإمكانات واحتمالات للبناء ومعالجة ما يمكن علاجه من واقع مأزوم في البلديات.