حسن محمد الزبن - جاءت الانتخابات لتسجل أول استحقاق دستوري بعد التعديلات الدستورية، إلا أنها لم تخلو من استخدام المال الأسود من البعض، في لغة جامحة وإصرار على فرض ارتقاء مرشحين لمنصة القيادة المجتمعية، وهذا ما كتبنا عنه قبل الولوج إلى الانتخابات التي شهدها الأردن بالأمس، حتى لا نقع في الفساد المالي الذي نحاربه، ويحاربه كل المخلصين، ونسعى لاجتثاثه أينما كان، ويتعارض مع أخلاقنا وعقيدتنا، ويتنافى مع المثل الراقية في المنافسة الشريفة، ونقول لكل الفاسدين، أنهم مكشوفون، وإن تصدروا المشهد، حتى من اشترى أو باع، يعلم أنه لم يخُن نفسه فقط، بل خان وطن، وضميره مرتهن للبيع، وسيبقى في أعين الشرفاء مجرد سلعة، يتاجر بها القريب والبعيد، هذا في الحياة، أما من باب أهم وأولى، فقد ابتعد أميالا عن قربه من الله جل جلاله، ورسوله الكريم الذي عزز فينا قيم العدالة في كل أمور حياتنا.
الانتخابات أخيرًا أفرزت خمسة وسبعون مرشحًا وصلوا لأول مرة لرئاسة البلدية، من بينهم عشرة حزبيين، وفاز ثمانية وستون سيدة بعيدا عن حسابات (الكوتا) في عضوية المجالس البلدية واللامركزية ، في حين فاز من بينهم ثلاثة وعشرون مترشحاً ومترشحة بالتزكية.
ما يؤخذ على هذه الانتخابات أن بعض الحملات الترويجية اعتمدت في جانب من جوانبها على الأطفال، واستخدامهم في توزيع المنشورات على السيارات وأمام المساجد، والمدارس، ومراكز التسوق الكبيرة، وهناك من حاول التأثير على إرادة الناخبين في بعض مراكز الاقتراع، والبعض من المرشحين أو مندوبيهم تعمد مرافقة الناخبين إلى المعزل في المقر الاتخابي، وتوجيه التصويت نحو مرشح معين، وآخرين حاولوا الاطلاع على ورقة الاقتراع الخاصة بالناخب، فضلا عن تصوير أوراق الاقتراع في بعض مراكز الاقتراع، وفي بعض المقرات الانتخابية تم انقطاع خدمة الانترنت أكثر من مرة لثواني أو دقائق، وهذا فيه عرقلة لعمل القائمين على المقر الانتخابي، وتعطيل لأدائهم، وإضاعة لوقتهم، وتبديد لجهودهم، رغم الاحتياطات التي وضعتها الهيئة المستقلة، وقد كان في حساباتها انقطاع الكهرباء بشكل طارئ، ولمثل هكذا ظرف وفرت محولات كهربائية بديلة، يتم تشغيلها اذا ما انقطع التيار الكهربائي، لكن الانترنت له ظرف استثنائي، وانقطاعه من الممكن يقع على فعل غير مبرر، ولا يعني الصالح العام، أو يكون أمرا طارئًا، كما أن هناك قوائم للناخبين مع مندوبيهم، تعمدوا التأشير على اسم الناخب في بعض مراكز الاقتراع، وناخبين لوحظ تحدثهم بالهاتف خلال ممارسته عملية الاقتراع داخل المعزل، ورصد حالة نادرة لانتحال شخصية أحد الناخبين من قبل المشاركين في الإنتخاب، والتأخر في اغلاق بعض الصناديق لثلاثة من مراكز الإقتراع، وتحديدا في محافظة العاصمة، وتم الطلب من بعض المراقبين اغلاق هواتفهم بعد إغلاق صناديق الاقتراع في أكثر من مركز اقتراع، وهذا يعرقل دور الرقابة على الفعل الانتخابي في المناطق التي جرى فيها هذه الممارسة، وفي ساعات الفرز افتقدت آليات العمل لضوابط التعليمات من الهيئة المستقلة التي تؤكد على تشغيل الشاشات الخاصة بعملية الفرز، وهذا ما افتقرت إليه أو تجاهلته مقار انتخابية محدودة وقد تكون عفوية او من ارباك طارئ، والهيئة المستقلة معنية بهذه الهفوات وتلك الأخطاء التي أوردتها جهات مختلفة منها المركز الوطني لحقوق الانسان، ومركز الحياة – راصد، و"تحالف راصد"، ومتابعين من الصحافة والاعلام، ومعنية بمتابعة كل الملاحظات التي وردت إليها.
في حين سجلت عشرة حالات لخرق سرية الاقتراع وتم التعامل معها وحولت للنيابة العامة، وهناك إثنا عشر شخصا وجهت إليهم تهم تتعلق بجرائم الكترونية، تم متابعتها وتحويلها للجهات المختصة في الجرائم الالكترونية، والتي بدورها في حال ثبوتها على الأشخاص يتم تحويلهم للنيابة العامة، وهناك خمسة حالات لها علاقة بالمال الأسود، وأخرى لم يزل فيها شبهة واذا ما أثبتت سيتم تحويلها للنيابة العامة، وكل التجاوزات موثقة لدى الهيئة المستقلة للانتخاب، وبالتأكيد سيكون هناك تقرير تفصيلي لكل مجريات العملية الانتخابية بالأرقام والنسب الدقيقة، وسيكون في متناول الجميع للإطلاع عليه.
إلا أن ما يهمنا هو المشاركة الفاعلة، وعدد المقترعين وهو ما نتطلع لمضاعفته في الانتخابات البلدية واللامركزية في المستقبل، وهذا ما يخدم مشروع الاصلاح والتحديث السياسي الذي نسعى له، ويخدم العمل العام والمنظومة السياسية بكل آفاقها الجديدة، ويعني أننا نجحنا في تحفيز الشباب والمراة والأحزاب، وبدت مؤشرات التجاوب تظهر مع المستجدات التحديثية في المنظومة السياسية.
ويسجل للهيئة المستقلة للإنتخاب جودة الأداء بكل جوانبه من إدارة للعمل الإنتخابي، والشفافية العالية بعرض محاضر الفرز على مستوى مراكز الاقتراع على موقعها الالكتروني، والتعاون مع الصحافة وقنوات الاعلام المحلي وأدواته، هذا عدا عن التعاون مع المراقبين الدوليين من صحافة وهيئات واعلام.
ولا ننسى دور الأمن الوطني بمهنيته ومصداقيته العالية، والتي استجابت لتطلعات القيادة، بما نفذته عبر خطة أمنية أُحكمت خيوطها، عبر أذرع ممتدة في كل المحافظات على امتداد الوطن، للتعامل مع الاستحقاق الدستوري للإنتخابات لتجاوز وضبط أي عرقلة او شغب او تعكير لصفوها، أو تجاوز على أمن العملية الانتخابية، وتغييرلبهجة الجو العام الذي تفائل بممارسة الإنتخابات، والتأكيد على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق من يسيئ للعمل الديمقراطي الذي يشهده الوطن، ولا تهاون في تطبيق القانون.
ونعود لأهمية التسويق السياسي للمرشح، وأهمية البرامج والأجندات التي يرتكز عليها فيما إذا وصل لموقع المسؤولية في البلديات او مجالس أمانة عمان، فالموضوع ليس يافطات برّاقة، ولا صور توزع في الأحياء والشوارع؛ فمما أعجبني مناظرة قد تمت في محافظة الطفيلة أفضى فيها المتنافسون على رئاسة البلدية، ما حشدوا له من خطط وملامح لبرامج عملهم خلال أربع سنوات، أمام حضور كبير تفاعل مع الحدث كأسلوب حضاري، يعكس الاهتمام بالعملية الانتخابية، وأتمنى أن يكون هذا في كل المناطق مستقبلا.
نحن أمام تداعيات واجهت البلديات في السابق، مما يعني أنها مطالبة بإداراتها الجديدة، وأكثر من أي وقت مضى، بتطوير منظومة العمل، وتمكين الأداء بمؤسسية وإدارة عالية الجودة، لتجاوز حالات إهدار المال العام الغير مقصود، سوى أنه لا يوجد سياسات إنفاق محكمة ومدروسة لجدول خطط وأعمال وانجازات البلديات بشكل عام، كما أن محاولاتها ظلت تراوح مكانها، إذ تُتهم بالتقصير في أغلب الأحيان، وعجزها عن معالجة الأزمة الأكبر وهي البطالة، واستثمار الطاقات الشبابية في المجتمع المحلي، وغياب القدرة في خلق مبادرات في المشاريع الصغيرة ودعمها في حدود البلدية، وتسويق منتجاتها من خلال معارض دورية محليا وعربيا وحتى دوليا، ولهذه الغاية مثلا يمكن الاستفادة من تجربة اتحاد الناشرين الأردنيين في تسويق الكتاب الأردني محليا في الأردن، وتسويقه في المعارض العربية والعالمية، وبالتأكيد لا ننسى تجربة اتحاد المزارعين الاردنيين في تسويق منتجاته بنفس الطريقة، بل ويزيد بتنوع قنواته أردنيا وعربيا ودوليا، وبهذا نحقق هدف تسويق الانتاج ليعود نفعها على المنطقة الجغرافية للبلدية بالدرجة الأولى، وتعود أيضًا بالنفع على الوطن، وهذا يتحقق إذا أدخلنا بروتوكولات جديدة وخلقنا أجواء من التعاون والتشاركية بين البلديات والمجالس المحلية في الشمال والجنوب والوسط، وتعزيز النهوض بالمجتمع إلى متغيرات حداثية معاصرة بعيدًا عن حصر التفكير بحدود مناطقية، على أمل الوصول لصورة راقية للمدينة والقرية مع الاحتفاظ بعبق وبهاء تاريخ المنطقة والمحافظة على الإرث الأثري الديني والتاريخي فيها.
نامل أن نستفيد من التعديلات التي أجريت على قانون الانتخاب فيما يخص المجالس البلدية واللامركزية وتحديد مهام كل جوانبها وأذرعها الداخلية ووظائفها وتوصيفاتها العامة والقانونية.
ولأجل تعميق الوعي العام، ويكون هناك تفاعل مع الحياة العامة، يجب أن نعدل المسار والتوجهات التي نطمح لها، في تقدم ونمو منظومة القوانين في الإدارة المحلية، بضرورة تضمين ذلك في مناهج التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، ومساقات محددة في الجامعات الأردنية، لننشئ جيلا واعيا لما هو مقدم عليه في المستقبل، ونهيئ له آفاق مضيئة للتفاعل مع الحياة العامة، وتجذير فكرة " القدوة" وأهميتها في الولوج للعمل العام، وأن نخرج من دائرة المصلحة، والمناطقية، والقرابة، وأن نختار من يمثل قامة وطن، والكل بالنسبة له على مسافة واحدة من الإيثار والعطاء والإنتماء، وكله ثقة بالقيام بدوره في تحقيق الطموح في البناء والعمل.
أخيرا نبارك لمن فاز، ونتطلع لتمكين الناخب وتوطينه، وتعزيز ذلك في العمل الانتخابي مستقبلا.
وحمى الله الأردن قيادة وشعبا،،