كثيرةُ هي الجرائم على اختلاف أنواعها وطرق تنفيذها باتت حديث الشارع الأردني وأعين الضحايا تبحث فيها عن ملجأ يداوي جروحها النازفة وحقوقها الضائعة على أيدي من لا يهاب خالقه ليضع في حسبانه قانوناً يُجرّم فعلته الدنيئة.
لا أعلم كيف يتجّرد الإنسان من فطرته السليمة ليتحول الى حيوان - عذراً - على التشبيه ليبتكر أقذر الطرق الملتوية بأدوات إجرامية تسلّح بها لينفذ ما يحلو له ويرضي غريزته الشيطانية المريضة.
لم يكن الفتى صالح الذي تعرض لحادثة أليمة تركته مبتور اليدين ومفقوء العينيين أول جريمة مأساوية تجرأ فيها مجرمون على كل معاني الرحمة والإنسانية، ولم تكن واقعة تعدي شاب على زميلته في العمل بمشرط مزّق به وجهها وتسبب لها بعاهة مستديمة، هي الأخرى محطة توقفت عندها سلاسل البطجة، فها هو يزن أبو عوض يعيد لنا مآسي أوضاعنا وأوجاعنا ليذكرنا بأننا لسنا بمأمن من ضربة موس من أزعر أو طلقة نار من أرعن، مع كامل تقديرنا لجهود الأجهزة الأمنية في ضبط المجرمين.
فقد ضجت منصات التواصل الإجتماعي بقصة يزن أبو عوض سائق "الديلفيري" الذي يسعى لتوصيل الطلبات الى المنازل، لكن وللأسف فإن البيت الذي أوصل له الطلب قبل فترة حولّه لشاب مقطوع أوتار الأيدي يبحث عن علاج في المستشفيات بعد التعدي عليه من قبل مجهولين أباحوا له أن يسأل عن ذنبه فقط، دون شفقة على حاله الذي آل إليه.
ولم نهدأ من روعنا في خضم الجرائم المتكررة حتى عاد الحزن من جديد على أهلنا في الشمال بعد طعن شقيقين ووفاتهما على أيد شاب لم يتجاوز الخامس والعشرين من عمره ويملك تاريخا اجراميا باحتراف، فوالله تقشعر الأبدان حين تروى تفاصيل أيه عمليه قتل، أو اختطاف، أو ظاهرة اجرامية في مجتمعنا الذي يأس من الحزن والقهر.
بين ما يشعر به المُجرم لحظة ارتكابه لفعلته وصرخات الضحية المخنوقة يُخدّر الضمير وتذهب الأخلاق الى الهاوية وتُدنّس أيدي السفاحين القتلة بدماء أبرياء هُشّمت أجسادهم أو شوهت بالكامل، أو حتى أصبحت جثة هامدة، لكن وان استطاع الجاني الفرار من عقابه الدنيوي فلن ينجو أبداً من اثمه حين يحين موعد حسابه في الآخرة عند من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فقد قال الله عزوجل في محكم آياته "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"، صدق الله العظيم. يومٌ يحاسب فيه كل ظالم عن ظلمه وكُل مُتكبر عن طغيانه وتعديه على حياة أوجدها الله في أرواح مخوقاته دون حسبان لخطوط حمراء يُحرم شرعاً وقانوناً التعدي عليها.
الأسباب تتعدد وتكاد لا تُحصر في ظل غياب الوازع الديني عند ضعاف النفوس والتنشئة غير السليمة، وغيرها الكثير الكثير من الدوافع المجتمعية التي تُشعر المجرم بأنه حقق انجازاً يفاخر به وهو يتلذذ بدماء المجني عليه ليُمتع نظره بأبشع اللقطات التي يمكن أن تخطر على قلب انسان .
الدعوات للجهات المسؤولة بضرورة تكثيف جهودها الأمنية والمجتمعية لضبط هذه الفئات التي تزعزع أمن البلاد وتعيث فيه فساداً ودماراً بأفعالٍ يندى لها الجبين، ليست بالجديدة، ولكنها اليوم باتت مطلباً شعبياً ذو صفة مستعجلة، فالذعر والخوف لا يليق بشعبنا الهاشمي النشمي، وعلينا جمعياً أفراداً ومؤسسات أن نعمل جاهدين لرأب صدعٍ نخر في حياتنا وأحدث بها الويلات على شكل ظواهر إجرامية متطورة الخطط يوماً بعد يوم، ولنسكت أنين الوجع ونعيد الأهالي الضحايا حقوقهم بتنفيذٍ صارم للقانون على ذوي الأسبقيات والقتلة والمجرمين بكل مسمياتهم دون محاباة لأحد فوق القانون، كما وتبقى المسؤولية معلّقة على جبين كل صاحب سلطة ليلتقط الرسالة الملكية التي يرددها الملك دائماً " لا أحد فوق القانون" وينفذها حرفياً.