الملعقة .. تلك القطعة المعدنية محدودة الصنع التي كاد الناس أن يقتصروا منافعها على طعامهم وشرابهم حتى أتى أسرى فلسطينيين مجبولبين بروح الحرية التي هي مشبعة في أرواحهم منذ أن كانوا في بطون أمهاتهم ليصنعوا منها نفقا يخرجون به من سجن قذر لا يطاق يطلق عيله "سجن جلبوع"، أكثر سجون الإحتلال تحصينا الى متسع من فضاء واسع تذوقوا فيه حلاوة كسر شوكة عدوهم المذلولة بملعقتهم الشريفة والحرّة.
تلك الملعقة أصبحت حديث الناس بكل مكان في بلدان العالم وعلى منصات التواصل الإجتماعي على اختلافها، كيف لا، وهي من أيقظت أرواحهم النائمة في ضجيج الحياة البائسة وأعادت لهم الأمل من جديد بعد أن رأوا شمس فلسطين الأبية وهي تشرق معلنة حرية أسرى فلسطينيين من نفق صنعوه بيمناهم على مدى أعوام دون كللٍ أو ملل يعتري صدورهم بل بيقين بأن الحرية قادمة لا محال رغم انف الصهاينة وتجبرهم وطغيانهم الزائل وعديم الوجود.
أفراح ومظاهرات بلافتات جالت مدن فلسطين بشكل خاص والتي حييت صمود أسرى سجن جلبوع الذين أزالوا القيد بإرادة من حديد لم تفكر يوما بأن ما سيحصل من عمل بطولي جبّار محض الصدفة أو رمية من غير رامٍ، بل هي بتخطيط معقدٍ لا يقدر عليه الا عقل فلسطيني أسير عشق تراب فلسطين وأبى الا أن يسّطر بيديه الشرفيتين عملية فرار أسطورية هزّت وأرعبت كيان الإحتلال الأهوج فبات يجول في زنازين سجن جلبوع أقوى واشد سجون الإحتلال حراسة ليجد جواباً لأسئلة حطمت توازن عقله فبات يضرب "الحابل بالنابل".
لم يسمح أي عربي حر بأن يتسلل الى ذاته محاولة اقناع بأن الفرحة لم تكتمل بعد خاصة عندما أعلن جيش الإحتلال الجبان القبض على 4 من أسرى سجن جلبوع؛ لأن من كان في قلبه يقين بأن الله معه لا أحد يقدر عليه، وهو ما حصل فعلا عندما أطلّ ابن القسام قاهر مملكة الصهاينة، الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة بتصريح ناري أرسل فيه رسالة توعد وتهديد لكيان الإحتلال بأن ما حصل من قبضته على الأسرى الفارين لا يخفي حجم العار الذي لحق بالعدو ومؤسساته، كما وفجر مفاجأة قسامّية من طراز خاص حين تفوه ابن القسّام وقال: لن تتم أي صفقة تبادل جديدة دون الأسرى الأبطال الأربعة الذين أعاد الإحتلال اعتقالهم .. وهنا اكتملت الرسالة .
هشاشة أمن العدو باتت ظاهرة للعيان واصبحت في موقع سخرية واستهزاء لا تعد وتكاد لا تلملم، فرسالة أبو عبيدة كانت هي اللمسة القسامية المنتظرة لتكتمل فرحة العمل البطولي لأسرى جلبوع، اذ أن القادم لن يستطيع العدو احتماله، فلا حاجز أمام جبروت أبناء فلسطين ولا أحد كائن من كان يستطيع أن يقف أمام قرار ابن القسّام حين يستنفر دفاعاً عن المرابطين والمرابطات الأشاوس على ثرى فلسطين بمساندة المقاومة الفلسطينية، الداعم الأول للحراك الشعبي الفلسطيني ضد الإحتلال الهزيل، ولعلّ ما يجول في عالم الغيب سيهدي للأسرى حريتهم من جديد بتعويض رباني عادل يعيد ترتيب الأمور لصالحهم واكراما لهم .