في احد الزقاق الخلفية لبيتنا أو ( براكيتنا ) وحينما كنت صبيا لعبت مع احد أبناء حارتنا ( فنة ) وكانت المنافسة تدور بيني وبينه على ( القلول ) ، لم اكن ماهرا في حينها في تحصيل كميات كبيرة من ( القلول ) ، حيث كان صديقي ماهرا في ( رف ) القرش عاليا ، فإذا ما طلبت صورة او كتابة كانت النتيجة معكوسة ولصالحه ، مما أفقدني كميات كبيرة من ( القلول ) التي كانت تملأ علبة الحليب ، لكن القضية ليست الخسارة بل كانت هي قدوم أبي ( رحمه الله ) مقتحما إنشغالي بصوته العالي ، صارخا في وجهي ( بتلعب قمار ، والله لأربيك يا ملعون الوالدين ) ، ومن سوء حضي أن والدي ( رحمه الله ) آن ذاك كان يرتدي منديله وعقاله فلم يسلم في جسمي عضو من اعضاءه من آثار ضرب عقاله ، وبعد هذه ( الكتلة ) حرمت على نفسي لعب ( الفنة ) ...
فجاة وبدون سابق إنذار تذكرت بالأمس وحينما كان مجلس النواب منشغلا بالتصويت على قضية الكازينو قصة ( لعبة الفنة ) او بالاحرى ( الكتلة ) فتمنيت لو كان والدي على قيد الحياة ، ليرى ويشاهد بام عينيه بان مجلس الوزراء المتهم في قضية الكازينو والذي خالف الشرع والدستور تم تبراته من قبل مجلس النواب ، وودت ان أقول لوالدي ( سامحك الله ) ، لانك لم تدرك آن ذاك وحينما كنت ألعب ( الفنة ) إن إبنك يملك حسا" إستثماريا رائعا يتجاوز ما كنت تعلمني إياه من بيت الشعر الذي أوسعتنا إياه حفظا وترديدا صباحا ومساءا ( تجوع الحرة ولا تأكل بتثدييها ) ، فسامحني يا والدي إذا ما نسيت أيضا ما قراته وحفظته من آيات الخمر والميسر ، فلقد اضعت يا والدي فرصة بل فرص إستثمارية رائعة حينما قتلت الموهبة التي كانت في بدايتها ووأدتها في تلك ( الزقة ) ، فلو يا والدي ( سامحك الله ) عززت ونميت فيَ الموهبة في لعب ( الفنة ) لوصلت لمراتب عليا إحترافية تؤهلني لدخول الكازينوهات وقد تدر علينا ربحا كثيرا ووفيرا كنا نستطيع من خلاله ان نرحل من ( براكياتنا ) لنسكن في عبدون او خلدا ولكنت أحضرت لأمي ( خادمة ) تقوم على تنظيف المنزل ورعايته لتريحها من إستيقاظها المبكر منذ طلوع الفجر على نغمات ورائحة ( البابور الهادر ) لترعانا وترعاك وكان بالإمكان ان ننعم بالإستحمام في أفخر انواع ( الجاكوزي ) بدلا من (طشت الحمام الأزرق ) ، لقد حرمتني يا والدي في ان اكون وزيرا يجيد عقد إتفاقيات مع أصحاب الكازينوات لن تكبد بلدي خسائرا بالأراضي والملايين من الدنانير وبدلا من إنشاءها في البحر الميت أو العقبة سأجعلها في مدينتي الحبيبة الطفيلة لتشغل الآلاف من العاطلين عن العمل فيها اولئك الأشقياء ....!
أعلم يا والدي ( رحمك الله ) بانني قد خرجت كثيرا فيما سبق عن النص الذي كتبته لي في حياتي وبعثرت الحروف التي رويت لي منها قصصاً عن معشوقك ( وصفي التل ) الذي أزدان في عهده بناء المؤسسات التي تبني ولا تهدم وتزرع ولا تقلع من نفوسنا وأرواحنا حب الأردن ، فسامحني يا والدي واعاهدك بأنني لن أخلع رداء حبك لوصفي الذي كسوتني إياه صغيرا ولا تلومني فيما ( هدرمت ) فأننا يا أبي نعيش في زمن ( الفنــــــــــــة ) ....!
أصلح الله حالنا وحال الأردنيين ....آمين