مكرم أحمد الطراونة - تزداد التحديات أمام الأردن بفعل التحولات التي يشهدها العالم على مدار نحو عامين، وبفعل الاستقطابات الجديدة التي تحركها قناعات الدول بمصالحها الخاصة. تلك الحراكات أفرزت مبادئ تعاون جديدة نسفت من خلالها العديد مما كان قائما سابقا، فما كان محرما بالأمس بات اليوم مباحا.
في الاثناء، ظل صوت الأردن وحيدا يتحدث بلسان القضية الفلسطينية، بعد اختلاف أولويات دول المنطقة، وانشغال الغرب بقضايا تأخذ مساحة واسعة من تفكيرهم وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية. لكن المملكة تأخذ هذا الملف أولوية في جهودها الدبلوماسية، وهي ماضية في محاولات الخروج بأقل الخسائر عبر الدفع باتجاه إعادة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات من جديد، للوصول إلى إنهاء الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية حسب القناعة الأردنية وتوصيفات الأمم المتحدة.
التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن هو قدرته على إبقاء العملية السلمية في أذهان الجميع، نظرا لتداعياتها الكبيرة على المملكة والمنطقة بأكملها، الأمر الذي يتطلب منه وفقا لمصالح الدولة حمل لواء القضية الفلسطينية في مختلف المحافل.
على ضوء التغيرات في المشهد الإقليمي والعالمي، وتغير خارطة التحالفات، تظهر أصوات اليوم تتحدث عن أن دولا عربية ممن باتت على علاقة مع دولة الاحتلال، تضعف الموقف الأردني وتضع بين يدي إسرائيل خيارات بديلة من الناحيتين؛ الاقتصادية والسياسية. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فإسرائيل معنية دائما بالتواصل مع المملكة كونها تعلم جيدا أن لها حدودا طويلة مع الأردن الذي له، أيضا، حضور كبير في القدس المحتلة، إلى جانب علاقاته الواسعة مع السلطة الفلسطينية.
إسرائيل تواصل زيارة العاصمة عمان، فبعد استقبال جلالة الملك لوزير خارجية تل أبيب مؤخرا، كان وزير الدفاع في عمان أمس، فيما من المقرر أن يصل الرئيس الإسرائيلي اليوم، قبل زيارة أخرى من المتوقع أن يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي لاحقا.
كل هذا يعني أن الأردن ما يزال يتحرك بقوة في ملف حيوي، من أجل دفع عملية السلام للأمام. كما لو أننا رصدنا التصريحات الملكية خلال تلك اللقاءات، لوجدنا أنها تأخذ خطا تصاعديا بالتحذير من مغبة استمرار جمود عملية السلام، وما يشكله ذلك من خطورة على المنطقة بأسرها، والتي من الممكن أن تندرج في دوامة عنف تطال الجميع، وتهدد السلم العالمي.
هناك قلق في إسرائيل والسلطة الفلسطينية من أي تصعيد قد يحدث في القدس المحتلة، خصوصا في شهر رمضان. وزير الدفاع الإسرائيلي تلقى رسالة واضحة أمس بضرورة الحفاظ على التهدئة الشاملة عبر احترام حق المسلمين بتأدية شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وإزالة أي عقبات تمنعهم من أداء الصلوات، ومنع الاستفزازات التي تؤدي إلى التصعيد.
السياسة الخارجية الأردنية تعلم جيدا ماذا تريد، في علاقاتنا مع الدول؛ سورية، الخليج، العراق، أميركا، روسيا، أوروبا، وفي تشابكنا مع القضية الفلسطينية، والصعوبة الحقيقية تكمن في خلق توازن دقيق في ضوء الصراعات الدائرة، وانشغال كل دولة بأولوياتها ورؤيتها. ليس من السهل الوصول إلى نتائج مرضية دائما، تحديدا إذا تفوقت التحديات على الإمكانيات والقدرات، لذلك يكون الهدف الحد من الخسائر بدلا من تعاظمها.
قد يكون محبطا لنا كأردنيين أن القضية الفلسطينية لم تعد ذات أولوية بالنسبة للعالم، لكن ما يجلعنا أكثر هدوءا هو أن المنطقة كلها على معرفة تامة أنها لن تنعم بالاستقرار إذا ما انفجرت الأوضاع في الأراضي المحتلة. لكن هذا الاحتمال يتراجع كثيرا إن تمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة. هذا الرهان لا يمكن أن يخسره الأردن أبدا.