زاد الاردن الاخباري -
اليكم موضوع خطبة اليوم الجمعة :
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة يوم الجمعة الموافق 01-04-2022م
( يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ )
________________________
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
يستقبل المسلمون نفحةً عظيمة من نفحات رحمة الله عز وجل على العباد، ألا وهي شهر رمضان المبارك، وركن الإسلام العظيم، سيد الشهور، ومدرسة الإيمان والتقوى، الذي يفتح فيه باب الريّان لدخول أفواج الصائمين المؤمنين المتقين، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183، إنه نداء لشحذ همم المقبلين على الخيرات، وإحياء قلوب الغافلين عن الطاعات، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول حين يرى الهلال: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا نُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» صحيح ابن حبان، وهذا الدعاء له معانٍ عظيمة فرمضان هو شهر الأمن والإيمان والسكينة التي تنعكس على حياة المسلم وعلى أهله ومجتمعه.
ومن السنة الحسنة أن يظهر الناس فرحهم بقدوم هذا الشهر المبارك لما فيه من إعلان بدخول موسم عظيم للطاعات وإظهار شعار الإسلام، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس: 58، وقد اختص الله تعالى شهر رمضان بأن جعله شهر الأمان والسلام وتنزل الرحمة، الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويحفظ الله تعالى به الناس من وساوس الشيطان، ويبشر به المؤمنين الصالحين الذين يتتبعون مسالك الخير وسبله، فيفتح لهم أبوابه، ويدعوهم للنهل من بركاته وعظيم أجره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» سنن الترمذي.
إن هذا النداء من الله عز وجل "يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر" هو نداء يسمعه أهل الإيمان بقلوبهم وضمائرهم، فيقبلون على الاستفادة من خيرات شهر رمضان المبارك ويتحرون كل طريق توصلهم إلى رضى الله عز وجل، ونيل الجائزة منه سبحانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه، وفي هذا النداء فتح لجميع أبواب الخير، وأولها الحرص على صيام هذا الشهر الفضيل صياماً صحيحاً يحبه ويرضاه الله عز وجل من خلال التفقّه بأحكام الصيام، حتى لا يقع فيما يُبطل صيامه، وكذا أن يحرص على عدم إتيان مكروه يُنقص من أجر صومه.
وفي الصيام يتعلم المسلم قيمة الصبر فأيام رمضان أيام مجاهدة وعبادة تستوعب كامل وقته، فالمؤمن صائم في النهار عن الطعام والشراب، صائمة جوارحه عن المعاصي والآثام، ناسك في الليل، قائم بين يدي مولاه في صلاة التراويح، فتزكو بذلك نفسه، وتعتدل موازين حياته، ويرتقي بأخلاقه، فيسمو بذلك من دركات الشهوات، إلى معالي الدرجات، وتصبح حاله أقرب إلى حال الملائكة الذين قال الله تعالى فيهم: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم:6.
ومن أبواب الخير العظيمة في هذا الشهر المبارك المداومة على تلاوة القرآن الكريم، فرمضان هو شهر القرآن، وكذلك هو شهر البذل والعطاء والجود والإحسان، يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة: 185، فجمع شهر رمضان بذلك المحاسن والبركات، وكان بحق شهر القرآن الكريم الذي يقبل فيه الناس على قراءته ومراجعته وتدبره، حيث كان عليه الصلاة والسلام يحرص على مراجعة القرآن الكريم في مجلس مبارك يضم سيد الملائكة جبريل عليه السلام، وسيد الأنبياء والمرسلين، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» صحيح البخاري.
وكذلك فإن شهر رمضان المبارك هو شهر الإقبال على الله تعالى بالدعاء وطلب الحاجات، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة: 186، فليحرص المسلم على الابتهال والتضرع إلى الله عز وجل في هذه الأيام لأنها أيام مباركة يكثر فيها الخير من الله عز وجل.
وفي هذا الشهر العظيم تتجلى قيمة العطاء والإحسان إلى المسلمين، وتعزيز قيم التآلف والأخوة والمحبة والتكافل بينهم، والحث على تفقد أحوال الناس والشعور بضعفائهم، ورتّب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الأجور العظيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» سنن الترمذي.
• الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران:102.
عباد الله : إن تزكية النفس في شهر رمضان تتطلب أن يترفع المسلم عن الشحناء والبغضاء بين الناس فحقيقة الصيام هو أن تصوم الجوارح عن المعاصي، وأن يصوم القلب عن الغلّ والحسد والبغضاء، وأن يصوم اللسان عن الغيبة والنميمة، وبذلك يتحقق معنى الإيمان في النفس والأمان في المجتمع، لأجل ذلك حثّ النبي صلى الله عليه وسلم الصائم أن يترفع عن مشاحنة الناس ومشاجرتهم في شهر رمضان، وأن يداوم على تذكير نفسه بأنه في حالة تزكية لنفسه، وأنّ هدفه واضح أمامه لا يحيد عنه وهو تحقيق التقوى في النفس، ونيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" صحيح البخاري.
وبالمقابل فإن من أعظم الخسران، أن يتغافل المُسلم عن هذه المعاني الجليلة في تحقيق الأمن المجتمع ومع أهله وبين جيرانه، فتنقلب بذلك طاعته إلى معصية، وأجره إلى إثم ويفوت موسماً عظيماً للطاعة ونيل الأجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» سنن ابن ماجه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» صحيح البخاري.
وأما من تهاون في شأن الصيام وضيع أوقاته على المُلهيات، فقد فوّت خيراً عظيماً وفاتته أجور كبيرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» صحيح مسلم.
ولنتمسك بدعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ الأنبياء: 87، وترديده أربعين مرة في اليوم أو ليلة، بنية حفظ الأمة من كل سوء ومكروه.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين