مهدي مبارك عبد الله - ضمن حالة متسارعة من التطورات السياسية الداخلية شهدتها الساحة الداخلية الباكستانية مؤخرا وتتويجاً للاضطرابات السياسية التي اجتاحت البلاد لعدة أسابيع أصبح فيها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بطل العالم السابق للإسكواش مهدد بالإقالة بعد فقدانه الأغلبية البرلمانية بانفصال عدة الأحزاب عن ائتلافه وانضمامها لتحالف المعارضة المشتركة منها حزب الشعب البلوشي يملك 5 مقاعد والحركة القومية المتحدة لديها 7 مقاعد وهو ما دفع نواب المعارضة في 28 آذار الماضي التقدم باقتراح لحجب الثقة عن خان علما بان أحزاب المعارضة الرئيسية تكاتفت بشكل كبير لإقالته منذ صعوده إلى السلطة
في أعقاب هذا التطور خسرت حكومة خان التي يقودها حزب ( حركة إنصاف ) المعروف بأغلبيته في مجلس النواب الباكستاني بعد انشقاق عشرة عن حزبه السياسي حيث أصبحت اصوات المعارضة ضده عند 177 أي أكثر بخمسة أصوات من الـ 172صوتاً التي يحتاجها المجلس الوطني المكون من 342 عضواً للإطاحة به
بحسب اتهامات المعارضة لعب رئيس الجمعية الوطنية عدة مرات دورا منحازا لصالح خان لكسب الوقت وتأخير التصويت على سحب الثقة وهناك مخاوف كبيرة من اتساع حراك الشارع المؤيد لخان والنزول الى الشارع واحتمالات انزلاق البلاد لحالة من العنف مع إمكانية عودته المقبلة حتى لو تم عزله حيث تساعده خطاباته الجماهيرية على حشد الدعم الشعبي على المدى الطويل وهو ما سيتعزز في حالة إجراء انتخابات مبكرة محتملة
بعد فشل جميع المناورات السياسية والمقايضة في اللحظة الأخيرة باتت المعارضة بقيادة شهباز شريف على ارض الواقع تملك الأغلبية للإطاحة بخان وحكومته في ظل تأكيده ثباته على مواقفه حتى لو فقد دعم البرلمان فإنه يأمل أن تدفعه الإرادة الشعبية الباكستانية مرة اخرى للعودة إلى مقر الحكومة
امام تحالف المعارضة القوي هدد خان النواب بغضب الجماهير إذا صوتوا ضده خاصة بعد تعرض القيادي بالحركة القومية المتحدة كانور نافيد جميل للمضايقة ووصفه بالخائن من قبل أنصاره في مطار إسلام آباد بعد أن انفصل حزبه عن رئيس الوزراء كما اعتبر معركته ضد حزب الحركة الديمقراطية الشعبية بأنها حرب مستعرة ضد الفساد الداخلي ومن اجل سيادة باكستان واستقلالها حسب تعبيره
في أكثر من تصريح لمح خان ضمنياً بأن المعارضة تتحرك بناءً على مؤامرة أمريكية تستهدف عزله بسبب اتخاذه موقفاً محايداً في الأزمة الأوكرانية وهو ما أغضب واشنطن رغم أن باكستان ليست صديقاً مقرباً لموسكو الحليفة التقليدية للهند وخان كان من أواخر قادة العالم الذين التقوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
في خطاب حاشد له دام ساعتين في 27 اذار امام الآلاف من أنصاره بالعاصمة الباكستانية سحب خان مذكرة من جيبه ورفعها في الهواء باعتبارها دليلاً على وجود مؤامرة أجنبية ممولة من الخارج للإطاحة به تم فيها رشوة وزرائه وبعض البرلمانيين للتصويت ضده بسبب سياسته الخارجية واكد إن بعض القادة المحليين يتصرفون بأمر من القوى الأجنبية
كما اطلع خان عدد من الوزراء في جلسة خاصة على عدة وثائق سرية بهذا الخصوص وقد اشارت وسائل إعلام محلية أن خان تلقى رسالة من سفيره في واشنطن تتضمن تسجيلاً قال فيه مسؤول أمريكي رفيع المستوى لشؤون جنوب ووسط آسيا ( دونالد لو) إن الولايات المتحدة تشعر بأن العلاقات يمكن أن تكون أفضل إذا غادر خان السلطة واعتبر رئيس الوزراء الباكستاني أن تحرك المعارضة لحجب الثقة عنه جاء مدفوعاً من واشنطن
المسؤول الأمريكي المعني أشار بأن لدى بلاده مشاكل مع السياسة الخارجية لخان لاسيما حول زيارته لروسيا والموقف من الصراع الصيني الامريكي والأوكراني الروسي فضلا عن مساعدته في سرعة انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية الموالية للغرب بعد انسحاب قوات حلف الناتو من البلاد وقال ان مستقبل العلاقات بين اسلام اباد وواشنطن مرهون بمصير اقتراح سحب الثقة برئيس الحكومة
الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس صرح الأسبوع الماضي للصحافيين إنه لا صحة لهذه الاتهامات لكن خان أصر على أن ما جرى كان خطوة لتغيير النظام واتهم المعارضة بالخيانة كما أكد بعد مطالبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إسلام آباد بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأن باكستان ليست عبداً للأوروبيين وبين إنه تلقى رسالة تهديد من واشنطن حيث قال ( هددت أمريكا بإسقاط حكومتي لأنني رفضت إقامة قواعد عسكرية لها في أرضنا )
لأشهر طويلة كان خان يكافح استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي والتضخم مع ارتفاع تكلفة الحياة الأساسية مثل الغذاء والوقود وللموضوعية نشير هنا الى ان بعض القطاعات من الناخبين تتشارك في إلقاء اللوم على حكومة حزب إنصاف في الأزمات الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد كما ان علاقاتها مع المؤسسة العسكرية التي تعتبر اليد الخفية في توجيه السياسة الباكستانية تضاءلت ويتهم المنتقدون خان ايضا بأنه يستخدم عنف الشرطة ضد معارضيه إضافة إلى توظيف هيئات مكافحة الفساد لملاحقتهم
بينما كان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على وشك أن يخسر اقتراح سحب الثقة بعد فشل عقده صفقات سياسية مع المعارضة والتأثير على الأحزاب الصغيرة وقبيل الاقتراع رفض بحزم التنحي وتوعد بمواجهة تصويت سحب الثقة وإن لديه مفاجأة لتحالف المعارضة والتي ظهرت بمنع قاسم خان سوري نائب رئيس البرلمان الباكستاني الموالي لخان التصويت باعتباره غير دستوري وهو ما أحدث ضجة في الجمعية الوطنية
عقب نجاة خان من التصويت على حجب الثقة أرسل توصية للرئيس الباكستاني عارف علوي بحل البرلمان حيث وافق الرئيس عليها وطالب بالدعوة لانتخابات مبكرة في غضون 90 يوم مع بقاء خان في أداء مهامه لحين يتم حل مجلس الوزراء وقد شكلت الخطوة صدمة للمعارضة التي توقعت بثقة عالية أن لديها ما يكفي من الأصوات للإطاحة بخان وقد طلب محامو المعارضة تدخل المحكمة العليا بشأن ما وصفوه بانتهاك خان وحزبه للدستور
عمران خان الذي انتخب في يوليو/تموز 2018 لا زال يتعهد بمعالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد وهو يحظى بشعبية لدى بعض الناخبين على الرغم من فقده الكثير من الدعم نتيجة زيادة كبيرة في التضخم والديون الخارجية
الانتخابات العامة في باكستان كان مقرر اجرائها في عام 2023 والأمور غير واضحة إلى حد ما في ما يتعلق بمستقبل الأزمة الباكستانية فيما إذا كان قرار البرلمان الباكستاني الذي صدر مؤخرا سيتم العمل به بشكل نهائي ام لا خاصة في ظل اصرار خان على الاقتراح بعقد انتخابات مبكرة والأمر كله متعلق بقرار المحكمة العليا المنتظر
في المحصلة نستطيع القول إن رئيس الوزراء عمران خان أصبح غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة ربما يكون حقيقة تلقى تهديدات من واشنطن اما عن الجيش الباكستاني الذي حكم البلاد مدة ثلاثة عقود وساهم خلف الكواليس بصناعة أحداث سياسية لدعم أحزاب المعارضة
فقد أعلن على لسان رئيس قسم العلاقات العامة الميجر جنرال بابار افتخار ان الجيش لا علاقة له بالعملية السياسية وانه منذ بداية الأزمة يقف بشكل صريح موقفاً محايدا ولم يؤيد أياً من الأطراف حتى الآن رغم ان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه وصل إلى السلطة بمساعدة الجيش الباكستاني لكن مراقبين يشيرون اليوم إلى وجود خلافات بين الجانبين حيث رفض خان في تشرين الأول الماضي إقرار تعيين رئيس جديد لوكالة المخابرات الباكستانية القوية
أخيرا يبدو ان حل البرلمان والحكومة واجراء انتخابات مبكرة يمثلان الفرصة الكبرى بالنسبة لخان حالياً حتى يحظى بالمزيد من الشعبية بعد حديثه المتكرر عن المؤامرة الخارجية الأمريكية ناهيك عن التصويت الإلكتروني واقتراع المغتربين الذان يعطيان الفرصة الكبيرة له للفوز في الانتخابات القادمة والحصول على أغلبية قد تصل إلى ثلثي البرلمان كما وعد في خطابه الأخير
mahdimubarak@gmail.com