زاد الاردن الاخباري -
كتب بسام بدارين - صباح أمس الأربعاء أعلن الجيش الإسرائيلي مجدداً عن قنابل تنوير على حدود التماس مع الأردن ثم القبض على أحد المهربين وضبط نحو 30 قطعة سلاح حاول شابان تهريبها إلى الأراضي المحتلة.
طبعاً، هذا الإعلان هو الثالث على التوالي في أقل من سبعة أشهر، حيث عرفت طوال عقود حدود التماس الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي بالانضباط الشديد وبعدم حصول خروقات أمنية إلا بصورة نادرة.
والإعلان عن الحوادث الجديدة لا يعني الكثير في جوانبه الأمنية واللوجستية، فعمليات تهريب السلاح في المنطقة برمتها تنتشر بتوسع بين الحين والآخر وبين كل الدول. لكن السؤال في المضمون السياسي له يتكرر وسط المهتمين بمتابعة آخر محطات التأزيم والتوتر أو الانسجام في العلاقات الأردنية الإسرائيلية ضمن حزمة الظروف المعقدة التي يعيشها الإقليم حالياً.
شفافية
لماذا تصر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على ممارسة أقصى طاقات الشفافية عندما يتعلق الأمر بتهريب قطعة مسدس أو بندقية صيد عبر نقاط التماس مع الأردن؟
ذلك طبعاً في الوقت الذي يقوم فيه الأردن بواجباته بشكل كبير ومنذ عقود احتراماً للمواثيق وللعلاقات الثنائية خلافاً لأن الأردن يلعب على الحدود الأردنية السورية شمالي المملكة دوراً كبيراً في تثبيت أركان الأمن الإقليمي.
وبالتالي، هذا دور يستفيد منه الإسرائيلي بشكل مباشر في كثير من التفاصيل والأحيان خلافاً للاشتباك الأردني مع عصابات تهريب المخدرات المسلحة، التي يعتقد بأنها مخدرات تستفيد منها مجموعات مسلحة في سوريا تناهض إسرائيل.
شفافية الإعلانات الإسرائيلية عن تهريب أسلحة فردية بائسة لا تحقق أي فارق في العمل داخل الأرض الفلسطينية، ويتم تهريب كميات إضافية أكبر منها بكثير من داخل الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين أو عبر عصابات تهريب الأسلحة وبيعها في السوق السوداء من الإسرائيليين.
هذه الشفافية لها رسائل سياسية بالتأكيد، فالقناعة لدى بعض السياسيين في عمان بأن الجانب الإسرائيلي بدأ يحرص على محاولات توجيه رسائل تقول ضمنياً بأن الأردن يتغير حدودياً في المسألة الإسرائيلية.
وهي رسائل يعتقد على نطاق واسع أن المستفيد الأبرز منها هم أطراف السلام الإبراهيمي، بمعنى العودة إلى جدلية سياسية تحفر الأعماق، بعنوان دور الأردن في سياق الإبراهيميات، أو التخلي عن دوره لصالح أطراف أخرى في المنطقة والإقليم، حيث يشكل الاندفاع في العلاقات الإسرائيلية الإماراتية مثلاً الآن عنصر ضغط كبيراً على هامش المناورة الأردنية السياسية، سواء في الملف الفلسطيني حيث ثوابت دائمة، أو في الملف الإسرائيلي نفسه حيث حكومة نفتالي بينيت التي لا يتحدث معها الأردن كثيراً تؤثر سلباً على طبيعة العلاقات القديمة بين الأردن ومؤسسات العمق الإسرائيلي.
الفكرة عموماً تخدش إطاراً متفقاً عليه، ويبدو مستقراً عن الوضع الحدودي بين الأردن والأرض المحتلة طوال عقود.
لكن التصدعات لا يمكن إنكارها في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وعقلاء مدرسة السلام والتعامل مع الأمر الواقع يدافعون باتجاه الحرص على أن تلك الملاحظات الإعلامية للجيش الإسرائيلي عن تهريب أسلحة عدة مرات عبر الأردن مؤشر ليس فقط على إعادة إنتاج الدور الأردني الإقليمي والهزات التي ترغب بعض الأطراف بتعريضه لها، لكنه مؤشر -برأي المعتدلين والمؤمنين بالسلام مع إسرائيل- على أن الأردن يبتعد أكثر عن اليمين الإسرائيلي الذي يشكل الحكومة الآن، والذي قد يعقبه يمين آخر أكثر تطرفاً بقيادة بنيامين نتنياهو قريباً.
عمان تفقد زمام المناورة؟
وبالتالي، الانطباع عند شريحة لا يستهان بها من السياسيين البراغماتيين الأردنيين هو أن عمان تفقد زمام المناورة والمبادرة مع العمق الإسرائيلي، وأن الوصول إلى التماس مع مثل هذا الانطباع خطر جداً وحساس للغاية، خصوصاً على المصالح الأردنية.
وهو ما يشير إليه الدكتور عامر سبايلة كمحلل استراتيجي وهو يتحدث عن الحاجة إلى التواصل مع قائمة احتياجات أساسية تلبي المصالح الأردنية الحيوية والمفصلية بعيداً عن كل الاعتبارات المعاكسة للتعامل مع الوقائع كما هي، ملاحظاً بأن بعض المسؤولين الأردنيين في الماضي القريب بالغوا في الشعبويات التي لا تعني شيئاً في نهاية المطاف.
الملف المختلف عليه بين الأردن وإسرائيل واضح الملامح، وهو القدس والموقف من المستوطنين والسماح لهم بين الحين والآخر بالمساس بالوصاية الأردنية على أوقاف القدس والمسجد الأقصى، وقد برز ذلك في عدة مرات، وهو مفتوح على البروز أكثر في الأيام القليلة المقبلة التي قد تحمل عنوان التصعيد.
في المقابل، يجدد الجميع تلك الملاحظة التي تقول بأن الأردن حركته أو حراكه السياسي في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي، تجلس داخل قوقعة واحده فقط، هي التحدث مع الطرف الذي لا يؤثر في واقع الأمر، وهو السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس.
استراتيجية البقاء خلف شرعية الرئيس محمود عباس يبدو أنها لم تعد منتجة حتى في الحسابات الأمنية والعميقة والاستراتيجية للأردن.
وما يلاحظه سياسي مثل مروان فاعوري، ويتوافق معه سبايلة، أن الأردن وهو باق خلف أبواب عباس والسلطة فقط، لا ينتبه؛ لأنه لا يتحدث مع الطرفين الفاعلين على الأرض والميدان في معادلة الصراع داخل الأرض المحتلة، وهما اليمين الإسرائيلي ونظيره اليمين الفلسطيني أيضاً، حيث المقاومة وحركات مثل حماس والجهاد الإسلامي. وعمان لا تتحدث إطلاقاً من باب الحرص على دعم السلطة والرئيس عباس مع المقاومة الفلسطينية، وهو ما لاحظه أيضاً زعيم سياسي استقبل شخصيات بحضور «القدس العربي» في حركة حماس مؤخراً، مثل خالد مشعل، معتبراً أن المقاومة والتواصل معها بحد ذاته ورقة سياسية، ومشيراً إلى أن بعض الأشقاء يفرط في هذه الورق.
هوامش المناورة
بمعنى آخر، عندما يتعلق الأمر بالاشتباك الأردني مع المصالح الذاتية في الملف الفلسطيني وفي المفاصل مثل القدس والمسجد الأقصى ومنع التأزيم أو الحيلولة دون قيام انتفاضة ثالثة، تجد عمان هوامش المناورة أمامها بائسة إلى حد ما؛ فهي تتبع الإمارات بطريقة مبالغ فيها، وفي التواصل أحياناً مع الإسرائيليين والقضايا الحساسة المتعلقة بهم، إما عبر بوابة القاهرة أو عبر بوابة أبو ظبي. وفي الاشتباك التفصيلي الميداني، الحديث فقط مع أجهزة السلطة والرئيس محمود عباس، وهما الطرف الأقل فعالية بكل الأوضاع، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بزيادة الصادرات إلى الأراضي الفلسطينية كما وعد الأمريكيون، أو بالعمل على التهدئة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعمان هنا مجدداً تعيش الإشكالية القديمة نفسها، فهي لا تتحدث لا مع المقاومة الفلسطينية التي هي صاحبة القرار في التنزيل والرد والتصعيد حتى العسكري أحياناً، ولا مع حكومة اليمين الإسرائيلي التي تتصرف بوضوح بعيداً عن الأجندة الأردنية وبعيداً عن مساحة التواصل مع شريك السلام الأردني.
وهو تقوقع يحشر المصالح الأردنية ويضيق هوامش المناورة ويؤسس لأزمة أعمق مع الإسرائيليين ومع نصف الشعب الفلسطيني وقواه على الأقل. وبالتالي، يصبح من الطبيعي في ظل مشهد متعثر للدبلوماسية الأردنية من هذا النوع أن يبالغ الجيش الإسرائيلي دعائياً على الأقل بين الحين والآخر بممارسة تلك الشفافية على شكل الحديث عن تهريب أسلحة، وهو حديث بالتأكيد له أبعاد سياسية لاحقة لا بد من الانتباه إليها الآن.
القدس العربي