حسين الرواشدة - أسهل ما يمكن أن نفعله هو إطلاق الأحكام الجاهزة، لدينا مخزون كبير من “الكليشيهات” نستدعيها، بمناسبة ودون مناسبة، لوصف ما يحدث في بلدنا، الأردنيون ، حسب هذه التصنيفات، متشائمون وسوداويون، يتذمرون من الفقر وقلة الحيلة، يعزفون عن المشاركة بالعمل العام ، ويفضلون ممارسة النقد والسخرية أحيانا.
خلف هذه الصورة السلبية التي تشكل الانطباع العام ، ويتذرع بها المسؤولون لتحميل المجتمع مسؤولية ما تراكم من فشل واخفاقات ، ثمة صور أخرى مشرقة نتعمد اخفاءها ، ربما لمزيد من الاستثمار بالمظلومية ، او لاستغراق منصات توجيه الرأي العام “بالتصفيق” للواقفين، وغيابها عن قضايا الناس وأولوياتهم، أو ربما بفعل فاعلين يصرون على ابقاء المجتمع عاجزا وفاشلا على الدوام.
الأخطر من ذلك ، أن وجه المجتمع الحقيقي ما زال غير معروف ، أقصد أن ثمة ملفات داخل المجتمع ما زال مسكوتا عنها، مع أنها تشكل مفاتيح لفهم حالة الأردنيين وواقعهم ومعاناتهم، كما أنها تعكس طبيعة حركتهم وأسباب نجاحهم أو عجزهم، ومع أنه من الواجب أن تحظى باهتمام الدولة والمجتمع معا، الا أنها تخضع للاهمال غالبا، أو للتوظيف من قبل بعض الشركات التي تعتاش على التمويل الأجنبي.
لدي ، هنا، سبعة ملفات ،على الأقل، أشير اليها لفهم واقع الأردنيين ، وما طرأ على حياتهم من تقلبات وتحولات، وما أصاب شخصيتهم من اهتزازات، ربما تشكل هي وغيرها مفاتيح لمن يريد الإصلاح الحقيقي ، لا الإصلاح المزيف الذي تتصارع على “كعكته” النخب، ليس فقط لأهمية المجال الاجتماعي وأمنه وتحصينه من الاختراقات، وإنما لإعادة العافية للدولة التي لا يمكن أن تحافظ على وجودها وقيمها، بلا مجتمع سليم ومعافى نفسيا واجتماعيا.
خذ ، مثلا، ملف الأيتام، الذي قلما يحظى باهتمامنا، لدينا نحو 120 الف يتيم ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما( احصائيات 2019)، يشكلون
3 ٪ من عدد سكان المملكة، واعتقد أن عددهم الحقيقي يتجاوز الان الـ200 الف يتيم، خذ مثلا آخر، ملف النساء المعيلات ، سواء الأرامل أو المطلقات، لدينا أكثر من 300 الف امرأة معيلة لأسرهن ، معظمهن بلا عمل، واغلبهن تزيد اعمارهن عن ٦٠ عاما، ويشكلن نحو ١٥٪ من عدد الاسر الأردنية.
خذ، مثلا ثالثا، ملف المخدرات، أعلنت مديرية الأمن العام الخميس الفائت أنها تعاملت مع 1743 قضية خلال شهر آذار فقط، منها 533 قضية ترويج واتجار، ألقي القبض خلالها على 899 مروجا وتاجرا، مجموع ما تم ضبطه ٥ ملايين حبة مخدرة و 283 كغم من الحشيش ، وكميات متفرقة من المواد المخدرة الأخرى، علما أن نسبة المخدرات تضاعفت بأكثر من 500 ٪ خلال العام الماضي، وسؤال المخدرات لا يتعلق بهذه الأرقام المفزعة، ولا بضحاياها، وإنما أيضا بالأباطرة الذين ما زالوا غائبين عن المحاسبة.
خذ الملف الرابع، الأردنيون الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، وصل عددهم لنحو مليونين (قبل كورونا) ، معظم هؤلاء لا يجدون مصحات نفسية للعلاج، وبعضهم لا يذهب لها أصلا، ( يوجد نحو 60 عيادة نفسية بالمملكة)، خذ الملف الخامس ويتعلق باللقطاء ومجهولي النسب حيث يبلغ عددهم السنوي نحو٧٠ طفلا، ووصل عددهم الإجمالي إلى نحو (1000) حسب التقديرات، هؤلاء يتوزعون على ثلاث فئات، لقطاء تجدهم الشرطة بالأماكن العامة، أو نتاج زواج غير شرعي، أو معروفي الأم ومجهولي الأب، وغالبا ما ينظر اليهم المجتمع بالرفض ، وقلما يجدون من يساعدهم.
إذا أضفنا لذلك، ملف العازفين عن الزواج (80 الفا من الذكور و123 الفا من الاناث ممن تزيد أعمارهم عن ٣٥ عاما) ، وملف الطلاق (123 الف مطلق و145 الف مطلقة) وملف العنف الاسري الذي يعد المتسبب الأبرز للطلاق ( نحو 50 ٪ من الحالات سببها العنف بأنواعه) ، وملف الانتحار(نحو 200 حالة انتحار سنويا) ، وغير ذلك من القضايا المسكوت عنها ، يمكن عندئذ أن نفهم ما يتغلغل داخل المجتمع من كوارث ، ثم نجيب بصراحة عن سؤال ،كيف يفكر الأردنيون، وكيف يتصرفون ، ثم من المسؤول عما أصابهم، كل ذلك لكي نفهمهم بدل أن نتهمهم بالسلبية ، ونجلدهم بالسوداوية. وفهمكم كفاية