إنعطاف الفكر السياسي نحوّ الفكر الثوري للشعوب العربية ..!!
الأغلبية من عالمنا العربي تُجمع على أن ثورة الشعوب العربية لم تأتي من فراغ ، وأن هناك أيدٍ خفية تعمل خلف الكواليس لإشعال فتيل العمل الثوري الممنهج .. وإن الأسلوب الدموي الذي تم فيه اشعال هذا الفتيل قد يرقى لأن يكون عملٌ عدواني ضد البشرية والإنسانية ، ولم يخلُ من أسلوب الإجرام الصهيوني الذي دأب وبمساعدة غربية على رأسها الولايات المتحدة على إشغال الفكر العربي دولاً وشعوباً في أحداث متجددة تُشغل بالَهم وتُهدِدُ استقرارهم على الدوام ، فهيّ غاية أمريكية صهيونية بامتياز ، يدأبون على ايقاضها في أمتنا العربية صبح مساء ، من أجل أن لا يتسنى لهذه الدول والشعوب العربية أن تلتقط أنفاسها وتستريح قليلاً ، تحسباً وتخوفاً فيما لو أن الأمة العربية التقطت أنفاسها بعمق ، ستعود إلى إثارة القضية التي أبداً لمّ ولنّ تُنسى داخل الضمير العربي وهي القضية الفلسطينية .. وهذا التخوف الغربي الصهيوني ، يكمن من شيوع الاستقرار على الساحة العربية ، حيث يعتقدون أن الأمة العربية لو تمتعت ونَعُمَت بالإستقرار ، هذا يعني إعطاءها فرصة كبيرة لاستعادة أنفاسها وإعادة تجميع قواها المنهارة من جديد ، التي ستمكنها من تهديد استقرار " الكيان الصهيوني " الذي انتعش وأخذ مجده طيلة العقود الأربعة المنصرمة ، بينما الأمة العربية وشعوبها تعيش في مراحل متقدمة من الذل والهوان ..!!
لا يريد الغرب وبني صهيون إعطاء هذه الفرصة لأمتنا العربية رغم كل الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي من شأنها ترسيخ الاستقرار في المنطقة ، إلاّ أنهم دائماً في قمة الحذر ، ولأنهم يعون تماماً أنه وإن كانت هذه التحالفات مطمئنة مع قادة الدول العربية ، إلاّ أنها دائماً وفي ذات الوقت تتحسب للجانب الأكبر من المعادلة وهو الشعوب العربية التي أبداً لم ولن تنطفئ نار ثأرها من استرداد وتحرير أرض فلسطين المغتصبة .. من أجل ذلك يعمل الغرب وبصورة دؤوبة وبتوجيهٍ صهيوني بحت على عدم استقرار المنطقة العربية ، بل لم يكتفوا بذلك ، فلقد استباحوا أمننا من الداخل كثيراً ، فزرعوا كثيراً من شبكات التجسس والعملاء في ساحة أمتنا العربية يعملون لصالحهم ، وعلى الأغلب تجد هؤلاء العملاء من أبناء جلدتنا ممن غسلوا أدمغتهم وأغوّوهم بالمال الوفير ، الذي ساعد في إنجاح مهماتهم كثيراً وساعد في اغتيال العديد من القيادات والرموز الفلسطينية إضافة إلى محاولات إغتيال كثيرة ولم تتوقف تنفذ عبر هذه الشبكات العميلة ..!!
ليس منا من لا يعرف بأحداث الحادي عشر من أيلول وما تمخض عنها من إعلان مصطلح " الإرهاب " الذي جُلب فقط ليطبق على الأمة العربية والاسلامية ، وبناءً عليه " حسب مبتغاهم " أصبحت كل أفعال المقاومة المشروعة تحت تصنيف " مقاومة الإرهاب " ، ولوّح حينها الرئيس الأميركي " بوش الإبن " بعالم شرق أوسطي جديد .. فاستباحوا افغانستان ودمروها بحجة قمع جذور الارهاب ، ولكنها كانت مقدمة مدروسة لاحتلال العراق الذي كان رمزاً للتسليح العربي وقوّة عسكرية ضاربة أدت إلى اختلال توازن القوى في المنطقة الذي طالما رفضه الغرب ورأوا فيه تهديداً لوجود الإحتلال الصهيوني على أرض فلسطين وخاصة بعد حرب العراق مع إيران التي استمرت نحوّ ثماني سنوات بنفس طويل للقوة العراقية دون هوادة ..!!
وأن ما تقدم كان بمثابة نقطة البداية للإنعطاف السياسي نحوّ العسكري تجاه المنطقة ككل ، ولقد تخلل هذا الإنعطاف العديد من الأحداث المؤلمة على المنطقة بل جلبت له ويلات لا تحصى من قتل للشعوب دون تمييز ، وتدمير للبنى التحتية لها بصورة كان المقصود منها ضرب اقتصادياتها وتجويع شعوبها المثقلة أصلاً من جبروت بعض الأنظمة الديكتاتورية التي لم ترى في شعوبها غير عبيداً لخدمتها وتغافلت عن القهر والجوع الذي نخر عظم شعبها وأصبحت هياكل عظمية لم تعرف ذاتها إن هيّ فوق التراب أم تحت التراب ولا أحد يسمع صرختها ... !!
ثم ما أن انفجرت أمعاء هذه الشعوب إثر مخزون القهر والجوع الذي طال ما مكث في بطونهم في ظل الدكتاتوريات الظالمة دون أن تعي من هم من وراء إشعالها و ما هي غاياتهم ، بعد أن سئِمت التعامل باللطف السياسي الذي لم يسّمنهم ولم يغنهم من جوع ناهيك عن اللطف العسكري الذي حصد الآلآف من الأرواح البريئة من ابناءهم ، فكان الإنعطاف نحوّ الفكر الثوري الذي لم يكن بالحسبان ، فتقررت ثورتهم ضد الديكتاتوريات المتسلطة التي كانت جاثمة على صدورهم ، وما أن بدأت ساعة الصفر وحان آوانها أنطلقت صرختها الأولى من ملهم الثورات العربية الثائر التونسي " البوعزيزي " في تونس الخضراء لتدوي بسرعة البرق في السماء في مصر وليبيا واليمن وسوريا بصورة دموية تقشعر لها الأبدان ، وذهب ضحيتها العديد من الأطفال والنساء والشيوخ ممن ليس لهم حوّلٌ ولا قوة إلاّ بالله .. شهداءً لأجل قضيةٍ واحدة هي " الخروج من الذل والهوان " ، الذي لطالما تعاملوا معه بنوع من السياسة المفرطة والهدوء على أمل إصلاحٍ لا تعقبه دماءٌ ولا أرواح ، فيما لا زالت بعض الدول العربية بين مدٍ وجزر ، فلم تسلم أيضاً من بعض إرتدادات هذه الثورات ..!!
م . سالم أحمد عكور akoursalem@yahoo.com