مهدي مبارك عبد الله - بتجاوز واضخ لكل الخطوط الحمراء وبغطرسة استفزازية لافتة أعلنت قبل ايام جماعات الهيكل الصهيونية المتطرفة ووفقا للطقوس الدينية اليهودية المبتدعة عن عقدها محاكاة كاملة لذبح قربان الفصح في منطقة القصور الأموية في القدس المحتلة وذلك في إطار تجهيزاتها لعيد الفصح اليهودي الذي يبدأ مساء الجمعة 15 نيسان الحالي ويستمر لمدة أسبوع حتى 22 من الشهر نفسه حيث تنوي الجماعات ذبح القربان فعلياً يوم الجمعة داخل المسجد الأقصى لتحقيق ذروة العبادة اليهودية في أقدس الأماكن وهو ما قد يفجر شرارة بركان الأوضاع في القدس المحتلة وربما المنطقة برمتها
التحضيرات لعيد الفصح اليهودي هذا العام وصفت بالاستثنائية ومحاولات الجماعات اليهودية للقيام بطقوس ذبح القربان ليست وليدة اليوم فمنذ سنوات عديدة تجري تلك الجماعات تدريبات عملية لمسألة ذبح القربان حيث توجد جماعة تسمى في التراث اليهودي السنهدرين وهي طبقة الكهنة التي تم تدريبها منذ سنوات في المدارس التلمودية وقامت بعدة تجارب عملية لذبح القرابين وقد نشرت هذه الجماعات قبل أيام على مختلف منصاتها إعلاناً يدعو المستوطنين إلى المبادرة الفردية لتقديم قربان الفصح في المسجد الأقصى واعدة من يتمكن من ذلك في يوم الجمعة القادم بمكافأة مالية كبيرة
ذبح قربان الفصح داخل حرم المسجد الأقصى يمثل لليهود عملية إحياء رمزي ومعنوي لهيكل معبدهم المزعوم والانتقال خطوة إلى الأمام على طريق تهويد المسجد الأقصى وفرض وقائع جديدة وهو الفصل الأهم على الإطلاق ضمن طقوسهم التوراتية المنطلقة من الأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بوجوب بالقيام بعدة طقوس داخل الأقصى من بينها إدخال القربان النباتي في أيام عيد العُرش والصلوات الجهرية والنفخ في البوق والانبطاح الملحمي على الأرض وصولا إلى ذبح القربان وهو الطقس الذي لم تقم به الجماعات اليهودية حتى الآن وتطمح لأدائه داخل أسوار الأقصى ابتداء من ليلة الجمعة القادمة خلال ما يسمى بأيام عيد الفصح
عصابات جماعات الهيكل المتطرفة وبشكل تدريجي مارست بعض من تلك الأمور عدة مرات بتواطؤ من قوات الاحتلال وأجهزة الشرطة اللتان تشكلان جزءا من معادلة الهجوم على المسجد الأقصى حيث كانوا تقيموا التجارب في مناطق مختلفة محيطة بالأقصى حتى اقتربت منه تدريجيا حيث كانت المرة الأولى التي يتم فيها ذبح القربان عام 2015 في قرية لفتا المهجرة على بعد كيلومترات من المسجد الأقصى
وفي عام 2016 ذبح القربان في منطقة بالقرب من جبل الطور وفي عام 2017 تمت عملية الذبح داخل البلدة القديمة عند كنيس الخراب أما في عام 2018 فجرت طقوس القربان عند السور الجنوبي على مسافة صفر من المسجد الأقصى وفي عام 2019 أقيمت طقوس الذبح على سطح أحد المباني المطلة على المسجد الأقصى
وقد توقف هذا الطقس التوراتي عام 2020 بسبب جائحة كورونا الا انه تجدد عام 2021 بتقديمه في أحد الكُنس القريبة من حائط البراق وهذا العام 2022 ترى الجماعات المتطرفة أنه يمثل اللحظة المناسبة لإدخال قرابين الفصح إلى الأقصى وتحقيق حلمها بتنفيذ هذا الطقس في رحابه بعدما زادوا طغيانا وشعورا بالانتصار
اليهود عامة ساروا في مسألة تهويد الأقصى في مرحلتين الأولى التقسيم الزماني وقد نجحوا فيه إلى حد بعيد أما الثانية التقسيم المكاني والذي فشلوا فيه بعدم قدرتهم على إقامة كنيس داخل باب الرحمة لأداء صلواتهم التلمودية ومع إعادة افتتاح مصلى باب الرحمة تلاشت أحلامهم في التقسيم المكاني
وهو ما دفعهم إلى فكرة الإحياء المعنوي للهيكل والذي يقوم على أساس أن المعالم الموجودة داخل الأقصى هي معالم إسلامية لكن بممارسة طقوسهم داخله تصبح وكأنها معبد لهم وان تقديم القربان فيها سيمنحها الاعتراف بها كمعبد ومقدمة لبناء المعبد اليهودي الثالث حيث يعد ذبح القربان نقطة لا غنى عنها في سبيل إقامة الشعائر اليهودية الكبرى
جماعات المعبد تقول أن وقت تقديم القربان قد حان وهي جادة جدا في تنفيذ خطتها واستعداداتها على مستويات عالية بدليل تنفيذها القربان عدة مرات خارج المسجد الأقصى كما أن طبقة السنهدرين تم تدريبها بشكل كامل حيث عقدت قمة حاخامية داخل المسجد في بداية رمضان جرى فيها النقاش حول مكان تقديم القرابين
وان الخِراف بلا عيوب جاهزة والكهنة بملابسهم الخاصة مستعدون لذبحها عشية عيد الفصح ونثر دمها عند ( قبة السلسلة ) وقد صرح أكثر من حاخام أنه لن يمنعهم أي شيء من ذبحها داخل الأقصى حيث تقدم قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية تسهيلات كثيرة لهم في اقتحاماتهم للمسجد الأقصى وأداء الطقوس التوراتية التي تستفز مشاعر كل فلسطيني وعربي ومسلم
الفلسطينيين في المقابل لديهم تجارب عديدة ناجحة في صد محاولات الاحتلال المتواصلة لاقتحام الأقصى ومنها هبة باب الأسباط لإزالة البوابات الإلكترونية وافتتاح باب الرحمة رغما عن الاحتلال وكذلك هبة يوم 28 رمضان في العام الماضي للتصدي لمحاولة تنفيذ اقتحام جماعي للأقصى وإذا ما توحد جميع الفلسطينيون على صعيد القدس والضفة والداخل وغزة فهم قادرون على منع تنفيذ مخطط ذبح القربان الاثم
وعدم السماح بوقوع هذه الجريمة من خلال الرباط في المسجد الأقصى كسلاح وحيد في ايدي المقدسيين والذي لا يملكون غيره للتصدي لكل الاعتداءات والاقتحامات رغم المعيقات الكبيرة وعمليات الإحباط لمساعيهم بمنع الاحتلال الكثيرين من الوصول إلى الأقصى إضافة الى محاولات منع الاعتكاف في المسجد الأقصى ليقتصر فقط على العشر الأواخر من رمضان
فصائل المقاومة المختلفة خلال اجتماعها الأخير في غرفة العمليات المشتركة وجهت رسائل لعدة أطراف إقليمية ودولية حملت خلالها الاحتلال مسؤولية أي تجاوز في الأقصى وانه سيدفع الثمن غاليا كما دعت أبناء الشعب الفلسطيني للنفير والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى طوال شهر رمضان الكريم واتخاذ أعلى درجات الجهوزية للخروج بمئات الآلاف في كل مكان دفاعاً عن فلسطين وعاصمتها الأبدية ومسجدها المبارك مع التأكيد على إن إعلان الاحتلال التراجع عن السماح للمستوطنين بذبح القرابين في المسجد الأقصى لا يعني شيئا في ظل استمرار الاعتداءات
عيد الفصح يرمز في الديانة اليهودية إلى الفترة التي خرج بها بنو إسرائيل من مصر وتقول روايتهم إنهم صنعوا خلال خروجهم وعلى مدار 8 أيام فطيرا بدون خميرة بأمر من الله وبمثابة شكر له على إنقاذهم من مصر ويعد أحد أكثر المناسبات أهمية لدى اليهود لارتباطه بتقديم قرابين الشكر لله على إنقاذ بني إسرائيل حسب تفسيرهم المكذوب
المحاولات الرعناء لإقامة ذروة طقوس عيد الفصح داخل المسجد الأقصى ورغم تصاعد وتيرتها ومحاولات الاحتلال التركيز على المواجهات في باب العامود لصرف الأنظار عما يجري في الأقصى سيكون بأذن الله تعالى مصيرها الفاشل بكل المقاييس كما حدث في شهر رمضان المنصرم وأن استفزاز مشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين يؤشر الى بداية أيام سوداء للاحتلال ومستوطنيه وان المواجهات التي تعيشها القدس منذ شهورٍ والتصعيد الذي شهدته خلال الأسابيع الماضية، يشير أيضا إلى أيام شديدة السخونة في القدس وشهر رمضان لن يكون سوى البداية والشرارة لانفجار البركان
هذا العام ليس كما سبقه من أعوامٍ فيما يتعلق الأمر بالمسجد الأقصى إذ إن عام 2022 يشهد تقاطعات كثيرة بين مناسباتٍ إسلامية ويهودية يتخذها اليمين المتطرف في العادة حجةً لاقتحام المسجد فمن عيد المساخر ( البوريم ) الذي حل في نفس فترة ليلة النصف من شعبان إلى عيد الفصح الذي يتقاطع مع رمضان إلى ذكرى خراب المعبد التي تقاطعت مع يوم عاشوراء حتى يوم الغفران الذي يحل في فترة احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي الشريف
الاحتلال الإسرائيلي وجد في ذلك فرصةً غير مسبوقةٍ لفرض سيادة الاعتبار اليهودي على الاعتبار الإسلامي في المسجد الأقصى وهو ما فعله في مناسباتٍ متفرقةٍ في السنوات الماضية كما كان الحال عام 2020 عندما حل يوم ذكرى خراب المعبد في نفس يوم عيد الأضحى المبارك حيث فتحت قوات الاحتلال يومها المسجد لاقتحامات المتطرفين بالرغم من إعلاناتها السابقة عدم السماح بالاقتحامات خلال المناسبات الإسلامية مما أدى يومها إلى صدامات واسعة في المسجد ولا يوجد في الواقع ما يشير إلى نية شرطة الاحتلال أن تتصرف بشكل مختلف هذا العام
الجماعات اليهودية المتطرفة تعتبر وجود حكومة بينيت الهشة فرصتها الذهبية وربما الوحيدة للذهاب إلى أبعد قدر ممكن في تنفيذ رؤيتها في اقتطاع مساحةٍ دائمة لصلاة اليهود داخل المسجد الأقصى عبر فرض الطقوس الدينية فيه بالقوة مستغلة في ذلك عدم قدرة بينيت على الوقوف في وجهها بقوةٍ خوفاً على قاعدته الانتخابية اليمينية الضعيفة من ناحيةٍ وفي نفس الوقت خشيته من إمكانية تسبب ذلك في سقوط حكومته كلية وبما يفتح المجال لليمين للسيطرة على الانتخابات قادمة
مخططات المستوطنين المتكررة لذبح القرابين المزعومة في الأقصى كانت لعبة خطيرة للعب بالنار وتجاوز للخطوط الحمراء خاصة وان هناك مزاودة بين القادة الصهاينة على هذه الاقتحامات ما يعني أن المسألة ممنهجة من قبل حكومة الاحتلال وهو ما يرفع من وتيرة الاعتداءات على المقدسات الاسلامية حيث تحولت مدينة القدس الى ثكنة عسكرية حقيقية بإجراءات أمنية مشددة
وهذا يدل على حجم الخوف من الرد الفلسطيني وكل هذه الاجراءات لن توفر للاحتلال الحماية والأمن أو ترهب أو تكسر إرادة وعزيمة اهل القدس لوقف هبتهم الشعبية بل ستكون أعظم من سابقتها وأن المقدسيين والمرابطين في المسجد الأقصى وباب العامود وأحياء القدس لم ولن يرفعوا الراية البيضاء ولن يخذلوا المسجد الأقصى مهما بلغت التضحيات وأن الفلسطينيين قادرون على إخضاع الاحتلال
خلال الأسبوع الماضي اقتحم 571 مستوطنا المسجد الأقصى بينهم العشرات من كبار حاخامات المستوطنات والمعاهد الدينية حيث عقدوا العديد من المحاضرات والنقاشات التحضيرية لـما يسمى عيد الفصح العبري وفي الجانب الاخر تتواصل الدعوات الفلسطينية لضرورة تكثيف الرباط والتواجد في المسجد الأقصى لصد الاقتحامات وافشال مخططات ذبح القرابين وان يبقى الجميع على أهبة الاستعداد للدفاع عن الأقصى والمقدسات والوقوف سدّاً منيعاً كالبنيان المرصوص ردعاً للمتطرفين وكبحاً لجماحهم وانتصاراً وحماية للقدس والأقصى من أي تدنيس وانتهاك واللذان دونَهما يبذل الغالي والنفيس وترخص الدماء والأرواح والأنفس
أخيرا على الدول العربية والإسلامية والهيئات والمنظمات الدولية التحرك العاجل واتخاذ كل الخطوات لتحمل المسؤولية التاريخية في حماية القدس والمسجد الأقصى ودعم الشعب الفلسطيني في مواجهة تصعيد وإرهاب الاحتلال الإسرائيلي ومنع هذا الخطر الذي يستهدف قبلة المسلمين الأولى والذي يمكن أن يؤدي إلى اشتعال وتفجير المنطقة بكاملها
mahdimubarak@gmail.com