مهدي مبارك عبد الله - ست سنوات من التعذيب والتنكيل الممنهج مضت على المعتقل أحمد مناصرة 20 عام أدت الى تدهور وضعه النفسي بسبب الإهمال والتعذيب الذي يتعرض له في السجن وهو حتى اليوم ما زال ينطق الكلمات المليئة بالخوف ( مش متذكر ) عند سؤاله عما جرى معه خلال التحقيق والذي بدا واضحا في لقطات فيديو مسرب تداولها النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة
حيث كان المحقق الإسرائيلي خلال جلسات التحقيق معه وشكل وقح يمارس عليه ضغوطاً نفسية وحشية فضلا عن الشتم وحرمانه من حقه في استشارة محامٍ واصطحاب أسرته معه واتباع أسلوب التحقيق الطويل دون توقف وحرمانه من النوم والراحة لانتزاع اعتراف منه على جريمة لم يرتكبها يوم كان فتى في عام 2015 بينما كان يبكي فيما كان المحقق الإسرائيلي يعنفه ويصرخ عليه ليرهبه وهو يقول له بسخرية ( مش متذكر مش متذكر جيبوا طبيب يفتح راسه يشوف كيف مش متذكر ) ورغم كل تلك القسوة نجح مناصرة في هزيمة المحققين ولم يدل بأي اعتراف حيث بقي يكرر لا أتذكر لا أعرف
كما تعرض على يد الجلادين للضرب المبرح ما أدى الى كسر جمجمته وتسبب في ورم دموي داخلها نتيجة للتعذيب الجسدي والتنكيل النفسي وما زال يتعرض لنوبات صداع شديد وآلام مزمنة وحادة ولم يكتفي الاحتلال بحرمانه من طفولته وبداية شبابه وحقه في التعليم أسوة بغيره وتركه محطم ليعيش شاهدا حيا على جرائمه وهو يدعي زورا وبهتان أنه الأكثر ديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط
وقد كشفت كاميرات المراقبة في المنطقة التي القي القبض عليه فيها وحشية ما تعرض له من تنكيل وضرب على يد والمستوطنين حين كان ملقى على الأرض ويصرخ وهو مصاب بعدما دهسه مستوطن بسيارته قبل أن يهجم عليه عدد آخر من المستوطنين موجهين له الركلات على رأسه وبطنه حيث لم يعالجه من قبل أطباء الاحتلال بالشكل المطلوب الأمر الذي تسبب بمعاناته مع مجموعة من الأمراض النفسية
كل ما جرى مع مناصرة يشكل مخالفة صريحة للقوانين الدولية واتفاقية حقوق الطفل التي تنص مادتها رقم 16 على أنه لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته وأن للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس
بعد عدة جلسات أدانت محكمة إسرائيلية الطفل مناصرة عام 2016 بتهمة تنفيذه وابن عمه الشهيد حسن مناصرة عملية طعن في مستوطنة بسغات زئيف عام 2015 التي أطلق خلالها جنود الاحتلال النار على ابن عمه فاستشهد وأصيب أحمد إصابة بالغة وفي النهاية حكم عليه بالسجن الفعلي 12عام وبتعويض قيمته 180 ألف شيكل ( 46 ألف دولار ) لكن بعد استئناف محاميه الحكم خفض إلى تسع سنوات ونصف عام 2017
ولد أحمد يوم 22 /1 /2002 في بلدة بيت حنينا القريبة من القدس المحتلة وهو أكبر إخوته البالغ عددهم ثمانية شقيقَين وخمس شقيقات وقبل اعتقاله عام 2015 كان طالباً في مدرسة الجيل الجديد في القدس في الصف الثامن وكان يبلغ من العمر في حينه 12 عام
رغم بلوغه سن العشرين إلا أن الطفل الذي بداخله لم يكبر بعد بل لا يزال يبحث ويسأل عن اصدقائه وألعابه التي نزعها الاحتلال منه وقد تحول الفتى إلى أيقونة حرية يتتبع الأحرار أخباره خاصة بعدما وثقت لحظة الاعتداء عليه وضربه بالصوت والصورة وهو مصاب وكذلك أثناء التحقيق معه
منذ أيام قليلة وبسبب وضعه الصحي والنفسي الذي تفاقم انطلقت حملات إلكترونية تضامنية وإسنادية محلية ودولية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدعمه وعائلته والمطالبة بالإفراج الفوري عنه ظهرت فيها عدة وسوم وتغريدات باللغتين العربية والانجليزية خاصة بعدما ساء وضعه في زنزانته التي يقضي داخلها 23 ساعة مكبل اليدين والقدمين ويتم إخراجه ساعة واحدة للفورة عدا عن أن مصلحة السجن تعطيه منوم كل صباح مساء
في محاولة إجرامية لـ ( تهويد دماغه ) اثناء اعتقاله في الإصلاحية في الداخل المحتل حيث أقنعوه بأنه ( لا نكبة ولا تهجير ) بل فقط هنالك ( إسرائيل والمحرقة ) وقد سربوا تلك الأفكار المسمومة له عبر أخصائيين اجتماعيين ومشرفين سلوكيين تقربوا منه كثيراً ووثق بهم وحين بلغ الرابعة عشرة من عمره نقل إلى سجن مجدو حيث كان يردد تلك الأفكار الخبيثة على زملائه الذين دعموه وثبتوا المفاهيم الوطنية الحقيقية من جديد في وعيه في عقله
حين تمكن والده من زيارته ورؤيته من وراء الزجاج أخبره عن حملة الدعم والمناصرة في الخارج وهوما افرحه واخرجه من بعض حزنه قليلاً كما قالت والدته التي رأته لأول مرة منذ سبع سنوات دون فاصل زجاجي بينهما
الهدف من حملة مؤازرة المناصرة كان بداية للضغط على الاحتلال خلال تقديم محاميه خالد زبارقة طلب امام المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة بئر السبع للسماح بعرض ملفه على لجنة الإفراج المبكر عنه بعد قضاءه ثُلثي محكوميته وابطال قضية الإرهاب عنه إضافة الى فضح وتعرية سياسة الاحتلال أمام مؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي الحقوقية لواقع أسير فرض عليه حكم جائر وهو مريض ويعيش ظروف حياتية صعبة في العزل كخيار وحيد متاح أمام الشعب الفلسطيني لفضح الرواية الإسرائيلية وما ترتكبه ضد الأسرى في سجونها وأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة المحاكم الإسرائيلية خاصة وأن الحملات دولية يشارك فيه مشاهير وحقوقيون دوليون ولعل نجاحها يكون باب أمل جديد للعديد من الأسرى الذين يواجهون المصير ذاته
ظروف اعتقال الأسير مناصرة السيئة والتعذيب النفسي والجسديّ الذي تعرض له خلال الاعتقال وجلسات التحقيق وحالته الصحية والنفسية الصعبة جداً لم تشفع له أمام مصلحة السجون التي قررت منذ أربعة أشهر وضعه في العزل الإفرادي وحرمانه بشكل متكرر من لقاء عائلته الأمر الذي فاقم وضعه سوءاً حتى بات لا يعرف الدنيا الليل من النهار وأصيب بانهيار عصبي واكتئاب ولم يعد لديه أمل في الحياة وكما أشارت والدته امل مناصرة في مقابلات صحافية عدة معها بانه كان في آخر زيارة له شارد الذهن وشاحب الوجه يبكي بشكل متواصل مثل طفل بعمر السنتين وكل ما يريده هو الحرية وأن يكون في أحضان عائلته
قصة الأسير الطفل والشاب أحمد المناصرة لم تبدأ منذ لحظة اعتقاله فقط فهو كالمئات من أطفال القدس وفلسطين الذين يواجهون عنف الاحتلال اليومي بما فيه من عمليات اعتقال كثيفة ومتكررة حيث تشهد القدس منذ الهبة الشعبية عام 2015 أعلى نسبة في عمليات الاعتقال بين صفوف الأطفال والقاصرين
وبحسب تقارير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فقد اعتقل الاحتلال 8500 طفل فلسطيني بين العامين 2000 و2015 أغلبهم تعرضوا لما تعرض له مناصرة من تعذيب نفسي وجسدي ومع نهاية العام الماضي اعتقلت قوات الاحتلال الطفلة نفوذ حماد التي لم تكمل الأربعة عشر عام بدعوى محاولة الطعن في الشيخ جراح وهي تقبع حاليا في سجن الدامون وفي الحقيقة إن كل طفل فلسطيني كان أم بالغاً معرض للأسر والسجن ظلما وعدوان
اماك كل ذلك يجب ان تستمر الحملة العالمية لمساندة الأسير مناصرة ومواصلة الضغط على الاحتلال للإفراج عنه فلا تتركوه وحيداً ويجب ان يعود إلى أحضان اسرته واهله بعد تلك السنوات من التعذيب القاسي في السجون الإسرائيلية كما يجب السعي الجاد لفتح تحقيق في قضيته امام المحكمة الجنائية الدولية التي انضمت إليها فلسطين لتشكل رادعا للقيادات الإسرائيلية مع الامل ان توقظ مظلمته ضمير المجتمع الدولي من سباته أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات يومية وابادة جماعية منظمة
أخيرا نقول للصهاينة المجرمين والعالم المتصهين انه إذا كان احمد مناصرة الذي انتقل بين أروقة السجن من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب لا يتذكر ما جرى معه وهو يعد الأيام والليالي بل الساعات والثواني ينتظر انقضاء مدة حكمه او الافراج عنه على أحر من الجمر فأننا نحن كعرب ومسلمين واحرار في مختلف ارجاء العالم لن ننسى كيف طغى الاحتلال على طفل بريء وكيف عومل بقسوة وارهاب وليعلم الظالمون ان يوم القصاص والانتقام ات لا ريب فيه وسيدفع الاحتلال ثمن عدوانه الغشم وجرائمه القمعية عاجلا ام اجلا مهما طال الزمان او قصر وان غدا لناظريه قريب
mahdimubarak@gmail.com