حين ننشغل منتظرين سماع الأخبار الطيبة عن حالة الملك الصحية، فهذا ليس نوعاً من التملق أو النفاق، بل هو نابع من قلوب تبتهل بأن يمنَّ الله على حادي الركب بالصحة والسلامة، نحن في الأردن أدركنا منذ سنوات طوال أن الهاشميين إحدى الثوابت المتفق عليها، وأن البديل لا بديل، ليس عن فقر سياسي ولا عن قحط فكري، إنما هي قناعة تكرست بأن الأردن في مشهده السياسي والتاريخي، فقد تماهى مع القيادة الهاشمية، بحيث أصبحت الصورة واحدة.
لقد عاش الأردن نظرية الحافة في معظم تاريخه الحديث، فهو لم يشهد اشتقرارا بالمفهوم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، نتيجة المعطيات الجيوسياسية، وبسبب التورات والحروب المتعاقبة في المنطقة، وأيضا نتيجة الهجرات واللجوء المتتالي على شكل تدفقات بمئات الآلاف، جعلت من أية خطة تنموية بمثابة خطة طارئة قابلة للتغيير والإلغاء والتجميد.
لم تكن ثمة خيارات مريحة متاحة للأردن طوال مراحله السياسية منذ أن تأسست الدولة الحديثة كإمارة ومن ثمّ كمملكة مستقلة، فهي خيارات تأخذ شكل الواقع المفروض وليس الخيار الحر للدولة. هذا استتبع أن يبقى الأردن ساهراً على حدود الألم والأمل معاً. حدود الخوف والشجاعة، حدود الأمن والفوضى.
لقد تعرض الأردن إلى جملة ضغوطات تفوق إمكاناته وقدراته وبدائله المتاحة، ولم يكن يوماً يمتلك القرار الواضح المستقل القوي، نظراً لارتباطات وتشابكات المصالح والقوى الإقليمية المحيطة.
ومع ذلك فقد استقر النظام السياسي في الأردن، وتمكن من أن يكون لاعباً رئيساً لا مجال لتجاوزه أو تهميشه، وبقي محافظاً على عديدٍ من الثوابت وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي كانت على مر عقود المملكة تعتبر قضية الأردن الأولى، بالرغم من محاولات ما زالت مستمرة لإخراج الأردن من مشهد التأثير المحوري في أية حلول للقضية الفلسطينية.
كما أن الأردن حافظ على توازن سياسي حصيف وموضوعي في كثيرٍ من أتون الحروب الكارثية التي وقعت في الدول العربية المحيطة به، وكان دوما محل اتفاق وقبول من مختلف الأطراف المتناحرة بوقوفه على مسافات جيدة مما يجري في تلك الدول. وبنفس الوقت فقد استطاع الأردن بقيادته وشعبه أن يصون الدولة والوطن من أية آثار سلبية لما يجري في المحيط.
إضافة إلى أن الأردن قدم مشهداً إنسانياً وعروبياً وإسلامياً بأن احتضن الكثير من المهجرين واللاجئين الفارين بأبدانهم وعوائلهم، حيث استقبلوا وتم تقاسم المتاح معهم على أمل عودتهم إلى بلادهم سالمين.
نعم هناك تحديات كبيرة جداً واجهها ويواجهها الأردن بإمكاناته وقدراته، لكن يسجل له أنه نجا من كوارث الحروب والفتن والأزمات الكارثية التي عصفت بالمنطقة وما زالت تعصف بها.
نعم هناك الكثير مما ينبغي عمله لأجل وطن أنقى وأكثر استقراراً، لكن ذلك يتطلب منا جميعا أن نتكاتف من اجل الحفاظ على الأردن الوطن الصغير في موارده ومساحته، الكبير الكبير في كرامته ونخوته وعزته.
حمداً لله على سلامتكم مليكنا المفدى، وحفظ الله البلاد والعباد من كل كريهة.