حسن محمد الزبن - الوصاية الهاشمية على القدس والمسجد الأقصى، والمقدسات عموما على أرض فلسطين، هي أمانة، وحمل الأمانة ثقيل، الأحزاب: ٧٢. لكن الهاشميون بنفس رضيّة، وهمة آل البيت، وهم امتداد النسب من البيت، والفرع الطاهر، ويحدوهم الفخر أنهم من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيدهم الفخر فخرا انتسابهم إليه، واعتزازهم بهذا الشرف العظيم، أبت مروءتهم رفض الأمانة المقدسة التي عرضت عليهم، فهم لم ياخذوا شرف حملها عنوة، إنما بمبايعة من أهل فلسطين الحراس على أسوارها وباحاتها لقدساتها، وأجمع العرب على المباركة لهم بأن يكونوا سدنتها وحماتها، وتظل في عهدتهم، وكان ملك العرب الشريف العاشمي الحسين بن علي منذ عام 1924 أول من حمل هذه الأمانة، وأول من عمل على إعادة إعمار المسجد الأقصى، فكان الإعمار الأول في عهد الهاشميين، وورث أبناؤه واحفاده هذا الإرث المُشرف، وتابعوا حمل الرسالة وأعينهم على المقدسات لا تغفوا، وظلوا حريصين على الإهتمام بها ورعايتها، وعينوا خداما وموظفين لرعايتها، والقيام على كل ما تحتاجه، وبلغ عدد القائمين عليها يتجاوز الألف موظف، موزعين على الأماكن المقدسة ، وعلى المساجد في مدينة القدس، عدا عن المدارس التي أنشأتها المملكة ، وتتكفل بموظفيها ومصاريفها، وكل العاملين تابعين اداريا لوزارة الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية، كما يتم تقديم كل الدعم للكنائس في القدس، وللمسيحيين فيها، وتذلل كل الصعوبات لهم، ولكل القائمين على خدمة الأماكن المقدسة، والأملاك الوقفية والكليات والمدارس التي تحت مظلة الرعاية الهاشمية، وستظل على امتداد العهود الهاشمية كذلك إلى أن يأتي وعد الله وتتحرر الأرض المقدسة، وينكسر قيد المعتدي.
وجاء الاعمار الهاشمي الثاني في عهد الحسين بن طلال، وأقب الإعمار حريقا عام 1969م، فكان الإعمار الثالث وتم إزالة آثار الحريق بالترميم والتجديد الذي استمر سنوات، وفي عام 1993م، أيضا تم إعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي في الأردن، وتم ارساله في عام 2007م، إلى فلسطين وتم تركيبه بديلا عن المنبر القديم في المسجد الأقصى المبارك، وفي عهد الملك عبدالله الثاني في عام 1999م، كان الاعمار الرابع وشمل كل مرافق، وإعادة تصنيع مبر صلاح الدين الأيوبي بنفس المواصفات التي كان عليها قبل الحريق.
هذا من جانب الرعاية والخدمات المقدمة، بالمقابل هناك جهد سياسي ومواقف أردنية للقيادة الهاشمية ثابتة لم تتغير، بالدفاع عن القدس والمقدسات، في ظل الممارسات والاعتداءات الطويلة، وعبر العقود الماضية في ظل الاحتلال الاسرائيلي، وأي مستجدات تطال المقدسات، وتنال من الشعب الفلسطيني على أرضه، والتحرك دوليا لأي اجراءات اسرائيلية تستهدف القدس والمسجد الأقصى، والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تدرك أهمية الموقف السياسي الأردني، وتحركة عبر قنواته الدبلوماسية في البيت الأبيض والكونغرس، والأمم المتحدة، ودول أوروبا والعالم .
واليوم يرفض الأردن قيادة وحكومة وشعبا خطة التقاسم المكاني والزماني وعبر التأسيس لاختبار جذري وعميق، انطلاقا من حرمة المساس بالقدس والمقدسات وأهمية وشرعية الوصاية الهاشمية دينيا وسياسيا وقانونيا.
ومن هنا كانت دعوة الأردن لجنة الوزارية العربية المكلفة، من قبل الجامعة العربية، وأهمية التكاتف والتنسيق العربي لوقف التصعيد والممارسات الاسرائيلية في القدس، وضرورة احترام إسرائيل للوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، والحفاظ على حقوق المصلين في ممارسة شعائرهم الدينية، ولا بدّ من موقف يدعم بهذا الاتجاه، ويدعم صمود الشعب الفلسطيني ضد الانتهاكات والاعتداءات المتصاعدة، ووقف العنف، والاجراءات الاستفزازية التي تأخذ طريقها نحو عدم التهدئة، بل تأخذ الجميع لطريق المواجهة والتأزيم.
وموقف الملك لا لبس فيه فيما يخص الوضع التاريخي للمسجد الاقصى والمقدسات الاسلامية والمسيحية، وهو الموقف المعلن للعالم ، وفي كل المنابر الدولية، وسبقه موقفه من صفقة القرن، ورفضه لها، ورفضه لكل الممارسات والاجراءات التي ينتهجها الكيان من خلال الاستيطان أو الاعتداء على المقدسات.
أما الموقف الأردني وثباته، الداعم لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه؛ فلن يتم المساس بالوصاية الهاشمية ودورها نحو المقدسات في القدس، وستتوقف الاجراءات الاسرائيلية نحو ما تسعى إليه، فالرد الأردني صريح وواضح، وتعزز موقفه أكثر من أي وقت مضى، وقفز على كل التوقعات فيما يخص دفاعه عن حقه في موضوع الوصاية الهاشمية وما يخص القدس، ورفضه خطة التقاسم الزماني والمكاني لليمين الإسرائيلي، واجهاض فكرة التفريغ، أو ما يخلق واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك.
حمى الله الأردن وقيادته، وحمى الله فلسطين والمقدسات من مكر المعتدين، وأدام الله صون الأمانة، والقدس ستبقى العيون ترنو لها، فمنها ولها يلتقي الوجدان العربي، ويبقى الرهان على صحوة الضمير العربي تجاهها والعمل لأجلها.