مكرم أحمد الطراونة - يواصل قطار الهدوء مسيرته في المملكة، حيث لا مؤشرات لغاية الآن على حالة الصخب التي راهن زوار الصالونات السياسية على حدوثها قبيل رمضان، أو بعد العيد على أبعد تقدير، خصوصا وقد انتهى العمل بالتعديلات الدستورية، وقانوني الأحزاب والانتخاب.
حالة الصخب المقصودة هنا هي إحداث تغيير حكومي أو تعديل وزاري، أو بشأن مصير الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، أو بصورة أوسع مصير المجلس بشكل عام!
وباستثناء إفطار رمضاني جمع عددا محدودا من “علية القوم” في منزل رئيس وزراء سابق، لم ترشح عنه معلومات ذات أهمية، فإن محتوى الجولات الرمضانية التي يقوم بها عدد من المسؤولين الحاليين والسابقيين، لم تتعد كونها زيارات علاقات عامة، فرضتها طبيعة الشهر الفضيل ليس أكثر.
ربما للتطورات الميدانية في مدينة القدس المحتلة دور في حالة الهدوء الداخلية، حيث ينشغل الأردن في سياسته الخارجية لوضع حد للاقتحامات التي تنفذها دولة الاحتلال وقطعان المستوطنين في القدس الشريف، لكن في واقع الأمر هناك حالة من الخمول تسيطر على عقلية المسؤول الأردني، الذي يجتهد في تحليل ما هو آت، إن كان هناك بالفعل ما هو آت.
إحداث تغييرات في العناصر التي تدير المشهد في الأردن اليوم، لا تتجاوز حتى هذه اللحظة أمنيات يطلقها البعض، إما طمعا في موقع، أو نتيجة خلاف بطابع شخصي مع مسؤول، فليس هناك من يتساءل فعليا عن ماهية التغييرات المطلوبة وجدواها، ومن هم البدائل الأنسب، وهل تحتاج المرحلة إلى تغيير بالشكل فقط أم بالمضمون؟
السؤال بشكل غير موارب هنا؛ هل تغيير رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، وحل مجلس النواب، بات مصلحة وطنية؟
الإجابة على كثير من الأسئلة المحيطة بالسؤال الأساسي قد تفيد في هذا الشأن، وأولها: من هو بديل الخصاونة الذي سيأتي بالحلول الجذرية؟ وإن وجد، هل ستتوفر لديه الإمكانيات والأدوات اللازمة لتحقيق ذلك في ظل التحديات المحلية الاقتصادية، والإقليمية السياسية؟ شخصيا لا اعتقد أن ذلك ممكن في ضوء عدم قدرتنا حتى اليوم على بناء إستراتيجيات طويلة الأمد تقوم على أولويات قابلة للتنفيذ.
البعض يقول إن الإصلاح السياسي تم إنجازه من خلال تحديث قانوني الأحزاب والانتخاب، وأن الورشة الاقتصادية تضع اللمسات الأخيرة على الأفكار التي تم التوافق عليها، ولجنة تطوير القطاع العام تقترب من الانتهاء من تقديم تصوراتها، أي أن البلد اليوم يحتاج إلى حكومة تنفيذية لكل هذا المنجز، أي حكومة جديدة برئيسها وشخوصها. أصحاب هذا الرأي يحكمون مسبقا أن الخصاونة باعتباره لم يكن شريكا حقيقيا في مشروع الإصلاح السياسي فإنه لن ينجح في تننفيذ المخرجات بنجاح. لكن هل هذا الطرح منطقي؟ هل نحن متأكدون من عدم قدرة الخصاونة على تنفيذ هذه الملفات. ومن يضمن أن من يأتي من بعده سينجح فيها، وهل ما نزال نمتلك رفاهية الوقت لكي نعيش من جديد في حقل تجارب؟!
فيما يخص مجلس النواب، فإن قراءة حله أو بقائه ليست بالمعادلة الصعبة، إذ أن الدولة بحاجة اليوم لاستمراره رغم أدائه الضعيف، حيث لا بد من الاستعداد جيدا للمرحلة الحزبية المقبلة، عبر إعطاء الأحزاب مساحة أوسع للتشكل والتكون، والاشتباك مع القواعد الشعبية بشكل برامجي، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت ليتحقق، فالناس اليوم أولويتها الفقر والبطالة، ومداراة الوضع الاقتصادي الذي يصبح أكثر صعوبة بمرور الوقت.
صحيح أن الهدوء يشكل اليوم السمة العامة لتركيبة الدولة، وقد يكون مهما في هذا الوقت الصعب، بيد أن بقاء المياه راكدة لفترة أطول يجعلها جاذبة لحاملي الأمراض وناقليها. اليوم نحن بحاجة إلى تغيير، بصورة عملية مدروسة تستند إلى سؤال: ماذا نريد، ومن هو القادر على توفيره. من دون ذلك، سيكون التغيير شكليا، ويعطل تقدمنا.