يلتقي طرفان، أردني وإسرائيلي، في توقيت واحد، للمفارقة، من أجل قدح رئيس الوزراء الحالي، د.بشر الخصاونة، الذي قد تختلف معه في حالات كثيرة، وقد تتفق معه احيانا.
هذه مفارقة سياسية كبيرة برزت بشكل واضح، بعد تصريحات رئيس الحكومة حول المسجد الأقصى، حيث قال الرئيس وبلغة جريئة مباشرة لم يقلها أحد من المسؤولين، ورؤساء الحكومات السابقين منذ اتفاقية وادي عربة.. ” لمسنا مدخلا لمحاولة التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى وهو ما لا نسمح به وسوف نتصدى له، تحية إلى كل فلسطيني وإلى كل موظف من موظفي أوقاف القدس الذين يقفون في وجه المتصهينين المدنسين، بحماية من الاحتلال، ونرفض محاولات التقسيم المكاني والزماني للحرم القدسي الشريف وسنتصدى لها”.
يخرج من بيننا من يقول إن هذه التصريحات شكلية، وان رئيس الوزراء لديه دوافع وحسابات سرية تتعلق بوضعه، وانه يشعر ان أيامه المتبقية في موقعه قليلة جدا، وانه يريد أن يخرج بطلا، وانه يصنع صورة تقول إن ازاحته عن موقعه جاءت بسبب هذه التصريحات، وانه يريد أن يقول لاحقا أن إسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان ضغطتا من أجل تغييره، ويريد أيضا إحراج صاحب القرار بتأخير تغييره، حتى لا يقال ان عمان تتلقى التعليمات من تل ابيب، بعد تصريحاته، ويضيف البعض أن رئيس الحكومة وهو دبلوماسي في الأساس في وزارة الخارجية يدرك ان هذه اللغة غير معتادة، وانه تقصد الخروج من كلفة ليلة الدبكة الشهيرة في إربد، التي تزامنت مع ذات ليلة الجمعة حيث اقتحام الأقصى، إضافة إلى تقصد الخروج من كلفة اتفاقية المياه مع إسرائيل، كونه من عائلة لها تاريخ قومي!.
هؤلاء هم خصوم الرئيس، الذين لا يريدون أن يصدقوا، وللمفارقة أيضا أن يأتي رفض كلام الرئيس وتلوينه محليا، في توقيت نحن بحاجة فيه إلى موقف حازم، وحين يؤخذ الموقف الحازم يخرج من يفكك النص، ويفتش في الدوافع لحسابات داخلية وشخصية.
مقابل بعض الأردنيين هنا، يخرج الإسرائيليون أيضا، وبطريقة أكثر سوءا، ويسربون معلومات وتحليلات تقول إن إسرائيل مستاءة من الأردن لأنه يصعد ضد إسرائيل عبر اللغة السياسية العلنية، وعبر أوقاف القدس، ويشن الحملات، بينما هو في السر يتصل بإسرائيل ويطلب العذر، لاضطراره لهذا الموقف، مطالبا إسرائيل أن تسامحه وتتحمل قليلا حدة النقد، هذه الفترة، من أجل شؤون داخلية في الأردن، إضافة إلى طلب الأردن لهامش تسامح من إسرائيل، أمام التصعيد الأردني، الذي لا مفر منه، ولا يعبر عن العلاقة السرية القوية بين الأردن وإسرائيل.
علينا أن نلاحظ في الحالتين، ان بعضنا ومع إسرائيل، ولكل طرف حسابات مختلفة، يجتمعان على غاية واحدة، أي افساد تصريحات الرئيس، وتقديمه بصورة انتهازية على أساس أنه يتصنع موقفا لاعتبارات داخلية تخصه شخصيا، ولغايات الاستهلاك المحلي، فيما تتكامل الصورة من الجانب الإسرائيلي حين يسرب معلومات حول أن الأردن يتوسل، ويرجو سرا أن تحتمل إسرائيل.
كل هذا الكلام خطير جدا، وسواء كنا مع رئيس الحكومة أو ضده، نريد استمراره، أو ترحيله، فإن الموقف الذي أعلنه، ليس موقفا شخصيا، فهذا موقع رئيس الحكومة يمثل الدولة في هذا الظرف وفي هذه التصريحات، ولا يعقل ان يستغل الرئيس الازمة في القدس، لغايات تحسين السمعة، أو بنية الخروج كبطل إذا حدث تغيير عليه في الأردن، وهذا يعني اننا لسنا أمام مشهد شخصي، يتعلق بكيفية تفكير رئيس الحكومة، بل أمام مشهد رسمي، عليه توافق، بما يعني ان الموقف كان باسم حكومة الأردن، وليس بصفة الرئيس الشخصية، أو خدمة لدوافعه السرية.
علينا أن لا ننوب عن إسرائيل في إفساد طبيعة التصريحات وقوتها، وعلينا أن نتذكر أن للخصومة قواعد اخلاقية، مثلما أن حساسية ملف القدس والأقصى للأردن، حساسية كبيرة، تفرض علينا أن نطلب من الدولة إجراءات ضد الاحتلال، وقطع التشبيك الاقتصادي.
بقي الرئيس أو غادر. لا يهم. فلسنا من بطانته ولا من المبشرين بجنته، وما هو أهم أن لا نخرب بحسن نية مشهدا مهما، ونلتقي مع الاحتلال بقصد أو دون قصد في افساد دوافع التصريحات.
يقال للرئيس شكرا على هذه التصريحات، دون أن نوفر نقده في قضايا ثانية، فهذه هي مهمتنا.