سلامة الدرعاوي - اليوم وبعد سلسلة أعمال التخاصية التي قامت بها الحكومات السابقة على مدى عقدين من الزمان، ما زالت تمتلك الحكومة أسهما في 36 شركة بقيمة استثماريّة تبلغ 2.6 مليار دينار.
حصص الحكومة موزعة بشكل متباين، منها 9 شركات ملكية كاملة، و 6 شركة ملكيتها تتجاوز الـ50 % من رأسمالها، و21 شركة مساهمات الحكومة فيها أقل من 50 % من رأسمالها، تتنوع الاستثمارات ما بين أكثر من قطاع أهمها (الطاقة والمعادن والنقل والبنية التحتية والاستثمارات الغذائية والسياحة والعقارات).
برنامج التخاصية الذي نفذ في السابق حمل الكثير من الانتقادات الشعبويّة في كثير من مكوناته، بعضها قد يكون منطقيا، والبعض الآخر لا يستند إلى أي أسس حقيقية.
الانتقادات الحقيقية التي وجهت لبعض مشاريع التخاصية كانت بسبب غياب الشفافية في بعض الإجراءات التي تمت بها العملية، والتي قد ضيعت حق الخزينة وأضاعت فرصاً استثماريّة أكبر عما كان بالإمكان أن تأتي.
لكن في غالبية مشاريع التخاصية التي نفذت كانت لصالح الاقتصاد الوطنيّ عامة، والخزينة خاصة، وتحديدا في المشاريع الكبرى، مثل المطار والاتصالات وشركات التعدين، وشكّلت نموذجا استثماريّاً مميزا ساهم بشكل كبير في رفع معدلات النموّ الاقتصاديّ بحدود الــ6 %.
فخصخصة مطار الملكة علياء على سبيل المثال لا الحصر أنموذج استثماريّ على أعلى الدرجات، فبعد ان كانت الخزينة تتحمل تكاليف تشغيل المطار السابق بقيمة 18 مليون دينار سنويّاً، جاء ائتلاف استثماريّ عالمي وفاز بعطاء بناء مطار جديد بكلفة تقترب من المليار دولار، ويدر على الخزينة ما يزيد على الـ230 مليون دينار سنويّاً، ناهيك عن أن ملكية المطار وتشغيله ستعود كاملة الحكومة بعد ان ينقضي عقد الادارة والتملك والتشغيل الذي حصل عليه الائتلاف الاستثماري والذي تبلغ مدته 25 عاما مضى منها ما يقارب 13 عاما.
والأمر لا يختلف في الاتصالات التي كانت قبل الخصخصة عبارة عن شركة وحيدة تقدم خدمة الهاتف الثابت وتدر على الخزينة 100 مليون دينار سنويّاً فقط، ناهيك عن محدودية الخدمة وصعوبة الحصول عليها، ليفتح القطاع بعد الخصخصة على مصراعيه من الناحية الاستثماريّة، ويضخ فيه أكثر من 3 مليارات دولار ويوفر فرص عمل لأكثر من 20 ألف شخص، وتقدم اعلى الخدمات وأجودها بأقل الأسعار، وفوق كل هذا يدر القطاع على الخزينة ما يقارب الـ250 مليون دولار في العام.
طبعا هناك بعض مشاريع التخاصية التي أثارت جدلاً، والسبب في هذا الجدل من الناحية الاقتصاديّة هو غياب الشفافية في بعض الإجراءات، ومع ذلك حتى الشركات التي تم خصخصتها وأثارت جدلا مثل الفوسفات لا يمكن مقارنتها من حيث الاستثمار والأرباح بعد خصخصتها عما كانت عليه قبل خصخصتها، فشركات التعدين بفضل وجود شركاء استراتيجيين وماليين استطاعوا ان ينهضوا بالواقع الإنتاجي لهذه الشركات التي كان بعضها عبئا على الخزينة، وها هي اليوم تتربع على رأس الشركات الوطنيّة من حيث الاستثمار والتشغيل والأرباح.
الجمود الحاصل في بيئة الاستثمار لا يمكن ان يتحرك من مكانه، او ان تجذب مستثمرين أجانب جددا للمملكة دون ان تتحرك الحكومة في هذا الأمر.
المقصود بالتحرك الحكومي الاستثماريّ هو طرح حصص الحكومة في الشركات للاستثمار من جديد بأسلوب جديد مشابه لعمليات الخصخصة لكن بنموذج أردني بحت، تستطيع الدولة ان تؤسس لمثل هذا النموذج بالشراكة الاستراتيجيّة بين مستثمرين محليين وأجانب وحكومة معاً، فالبداية يجب ان تكون من الحكومة، والعودة للتخاصية هو مفتاح التحرك الاستثماريّ والعودة من جديد للزخم الاقتصاديّ.
الحكومة مطالبة بأن تبدأ هي بالاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص، وعليها الابتعاد عن الأحاديث الشعوبية التي تتهم الخصخصة بالفساد وإضاعة مقدرات الوطن وما إلى ذلك من كلام إنشائي شعبوي غوغائي، فإذا حدث خطأ ما في بعض مشاريع التخاصية، فإن هذا لا يعني إلغاءها او فشلها، بل هو فشل يتحمله القائمون على التخاصية، ولنا عبرة ودروس مستفادة من الخصخصة كشفها تقرير اللجنة الملكية للتخاصية التي أوضحت بشكل تفصيلي ومنهجي نقاط الضعف والقوة في برنامج التخاصية الأردنيّ.