سلامة الدرعاوي - بعد عطلة العيد مباشرة ستبدأ بعثة صندوق النقد الدولي مراجعتها الرابعة لأداء الاقتصاد الوطنيّ في ضوء برنامج التسهيلات الموقع معه والممتد لأربع سنوات.
المراجعة المقبلة للصندوق والتي تستمر لمدة أسبوعين في غاية من الأهمية بسبب التطوّرات الاقتصاديّة الاقليميّة والدوليّة التي بدأت تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطنيّ.
البعثة ستتأكد أولا من التزام الحكومة ببنود الإصلاح المتفق عليها مع الصندوق للفترة الحالية والتي تصب أساسا في مواصلة دعم عمليات إعادة هيكلة الإصلاحات الضريبيّة التي باتت فعلاً مثار إعجاب شديد من قبل الصندوق وكانت مثار إعجاب واستعراض في اجتماعات الربيع الأخيرة في واشنطن، فالإصلاح الضريبيّ في الأردن بدأ فعلا يؤتي بثمار إيجابية على الاقتصاد، وهناك مشروع متكامل يسير بشكل مدروس وممنهج للاستفادة من ما هو مطلوب في الضريبة.
قد تكون ملاحظة الصندوق على تأخر الحكومة في مسألة الإصلاح الجمركي والتي تقاوم اليوم من جهات وقوى نافذة استطاعت ان تتوغل على مؤسسات الدولة وتعطل حتى تشريعات الإصلاحية الخاصة بالجمارك وأخرى كموضوع العقبة وتوحيد الإدارات الضريبيّة والجمركية.
المراجعة الجديدة لبعث الصندوق لإداء الاقتصاد الوطنيّ ستكون محاطة بجملة من التحديات التي هي خارج سيرة وتحكم الحكومة، أي نتيجة لأسباب معظمها خارجية بحتة.
فالاقتصاد اليوم مثل باقي اقتصاديات العالم يحتمي متوخيا التضخم الذي أدى إلى تآكل دخول الأفراد، فتداعيات ارتفاعات الأسعار العالمية باتت لها انعكاسات خطيرة على القوة الشرائية للأسرّ الأردنيّة خاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهذا يتطلب مرونة من الصندوق في اتجاه دعم الحكومة لتعزيز منظومة الآمن الاجتماعيّ وتخصيص مخصصات كافية للرعاية، ودعم حصول الأردن لدى المؤسسات الدولية والمانحين للحصول على المساعدات والمنح التي تؤهله لتعزيز الأمن المعيشيّ للمواطنين.
البطالة التي تجاوزت الـ23 % من كابوس حقيقي على أمن المجتمع، والاردن بأمس الحاجة اليوم إلى دعم برامج التشغيل والتوظيف، ودعم استدامة المنشآت في العمل والإنتاج والابتعاد عن عمليات إعادة الهيكلة التي قد تحدث نتيجة لزيادة أعباء وكلف الإنتاج لدى بعض القطاعات الاقتصاديّة المختلفة، وهنا يقتضي من بعثة الصندوق مواصلة دعم الحكومة في إيجاد منافذ تشغيليّة جديدة لاستيعاب أكبر قدر من المتعطلين عن العمل.
وهنا وبما ان الحكومة في إطار إعداد مسودة قانونية جديد للاستثمار، فان بعثة الصندوق عليها إعادة النظر لهذا القانون من زاوية قدرته على توفير مناخ استثماري يكون باستطاعته جذب المستثمرين للمملكة ويعزز من الحضور الاستثماري فيها من خلال توفير حزم من الاعفاءات والتسهيلات التي تمكن المستثمر من إقامة مشروع في المملكة بشكل ينافس ما هو موجود لدى دول الجوار.
ولا ننسى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت تلقي هي الأخرى ظلال قاتمة على اقتصاديات العالم من حيث الأمن الغذائي وارتفاعات الأسعار والشحن وحركة التدفقات الاستثماريّة والسياحية في العالم، ولا شك بإن ذلك سيصيب الأردن مثل باقي دول العالم والمنطقة.
المراجعة المقبلة ستكون مريحة للصندوق من الناحية النقدية والتي حققت مستويات مريحة وغير مسبوقة في عدد من مؤشراتها خاصة في ما يتعلق باحتياطات المملكة من العملات الصعبة والتي تخطت اليوم حاجز الـ17مليار دولار.
المراجعة الرابعة ستكون ضمن تحديات تحيط بالاقتصاد الوطنيّ غالبيتها خارجيّة، والأردن استطاع ان يصمد باقتدار في مواجهة هذه التحديات، لكن دعم المجتمع الدولي والمؤسسات العالميّة خاصة صندوق النقد الدولي أمر في غاية الأهمية خاصة في الناحية التي تحتاج الحكومة فيها إلى مساحات مالية جديدة لتلبية نفقاتها الطارئة المتزايدة.