حفار ودفان قول معروف عند البدو بالقضاء العرفي عندما يكون هدف المصلحين الإصلاح وعدم التعنت وعلى سياسة لا غالب ولا مغلوب، ليتضح بعد تطبيقها بان الكل غالب وليس مغلوباً عندما يحل الوئام محل الخصام والصلح مكان العداوة كما شاهدنا بمسلسل نمر بن عدوان حيث تم الصلح بين القبيلتين ممثلتين بنمر بن عدوان ومطلق السلمان على هذا المبدأ. و تراودني الكتابة في هذا القانون البدوي منذ اندلاع ما أُسميت حركات الربيع العربي التي بدأت ربيعاً ولا ندري إلى أين ستنتهي. ولكني كنت أحجم عن الخوض فيه لخوفي أن أكون الوحيد الذي يفكر بهذا الطريقة، إلى أن سمعت المواطنين يطالبون بهذا على محطة سفن ستارز ببرنامج قضائي لا أذكر اسمه وتقدمه أستاذة محامية تستضيف مجموعة من المحامين حول قضايا قانونية، حيث أكد معظم المتصلين بصوت عالي وقالوا "يا عمي الفساد منا وفينا ومش راح نخلص منه، و فكونا من هالطابق وخلينا نشتغل".
نعم كانوا محقين فالناظر لوضعنا بالأردن يجد أننا نتجمد حول كل قضية وتأخذ من الجهد الكثير سواء حكومة كنّا أو مطالبين بالإصلاح وتتعطل مسيرة البلد عند هذه القضية؛ فمن قضية البورصات إلى هروب خالد شاهين التي شغلت الناس بها، فالحكومة تتبرأ وتلقي بالمسؤولية على هذا و ذاك, وكتب الكتّاب العشرات من المقالات، والمعلقون آلاف التعليقات حوله خروجه السوبرماني؛ ثم جاءتنا قضية الكازينو والتي كانت الشغل الشاغل للكثير حتى انكشفت على أنها عبارة عن (تخبيص ) وليست فساداً كما قال معالي السيد عبد الكريم الدغمي. و طلع من المطالبين بالإصلاح من ينادي بحل المجلس حتى انقسم المجلس على نفسه وأصبح يراوح في مكانه تاركاً العديد من القضايا الإصلاحية.
أجمع هؤلاء المتصلون وأنا هنا أؤيد ما طالبوا به على طي هذه الصفحة ليس حباً بالفساد والفاسدين المفسدين بل لأننا نحن نجيد فن التوقف عند الأشياء وكأننا نبحث عن سبب لنتوقف ونتجادل ونختلف، لنكتشف لاحقا أننا أضعنا من الوقت الكثير والذي كان يمكن أن يستغل لدفع عجلة الإصلاح الذي نتباكى عليه ولا أبرىء أحدا من هذا. وبما أننا لا نستطيع أن نحمل أكثر من بطيخة بيدنا فلماذا لا نجرب الطريقة الأخرى بأن ندع قضايا الفساد مؤقتاً إذا كنا لا نوافق على حفار ودفان، ولنبدأ من جديد، لأن المستقبل هو الأهم.
كذلك يمكن تطبيق هذا القانون البدوي على المستوى الدولي والذي أشرت إليه بالفقرة الأولى من المقال؛ أجزم لو أن المطالبين بالإصلاح ومن قاد الثورات قد سار على مبدأ "حفار ودفان على ما غبا وبان" لما قُتل هذا العدد الكبير من الشعوب لتمسك الحكام بكراسيهم ليس حباً بالكرسي ولكن حتى لا يجدوا أنفسهم معلقين على حبال المشانق أو في غيابات السجن بعد الإطاحة بهم. كم من الشعوب قتلت في ليبيا واليمن وفي سوريا في سبيل كرسي الحكم ؟ ونسال الله أن تكون هذه الدول آخر الأحزان لأنها انقلبت من حركات إصلاحية إلى حروب أهليه؛ فأي مستقبل ينتظر هذه الدول بعد هذا القتل البشع؟
لقد تحدث المتصلون عن قضايا لا أدري مدى صحتها ولكنها تدل دلالة واضحة على أن الفساد ليس مقصورا على فلان أو علاّن؛ لهذا حتى لا نجد معظمنا متهماً بعضنا بالفساد أرى أن نسمع نصيحة هذه الجماعة ونفتح صفحة جديدة لنبدأ عهداً جديداً فالإصرار على محاكمة الفاسدين سيجعلنا نتغاضى عن الكثير من الأمور وسنكتشف أننا وفي حربنا على الفساد القديم وفي غفلة منا قد سمحنا لنوع جديد من الفساد سيشغلنا كثيراً بالأيام القادمة.
يجب التأسيس لمرحة جديدة حاسمة وقوانين واضحة للحيلولة دون الأنواع الجديدة من الفساد. وهذا لن يتأتى إلا إذا كانت الدولة تمر بمرحلة صفاء لتمأسس إلى دور أكثر فاعلية للقضاء في مواجهة أي فساد الجديد. لنقفز فوق الماضي ونتجاوزه بحفار ودفان، أما من لم بعجبه قانون حفار ودفان فليقدم لي الدليل على دولة استردت أموال فاسد ، إن أقسى ما توصلت إليه الثورات هو إصدار قرارات بتجميد أموال الفاسد لتذهب إلى خزائن البنوك الدولية ولكنها لم تُرد إلى الدول أصحاب الحق.
وبما أننا نقول دائما إننا في الأردن نموذج مختلف عن باقي الدول، والشعب الأردني أكثر وعياً و ثقافة عن الشعوب الأحرى فيجب علبنا أن نكون( فعلا غير) ونقدم أنموذجا يُحتذى لباقي شعوب المنطقة. كفانا ترددا وانتظاراً لما يجري حولنا لنرى إلى ما ستؤول الأمور هناك.
حفار ودفان على ما غبا وبان وهذا لا يشمل طبعا حقوق الأفراد كالبورصات، فهو قانون بين القوى المتصارعة وهي هنا الإصلاح والفساد.
alkhatatbeh@hotmail.com
alkhatatbah.maktoobblog.com