سلامة الدرعاوي - للمرة الثانية على التوالي وفي غضون شهرين، يرفع البنك المركزيّ الأردنيّ أسعار الفائدة على أدوات سياسته النقدية، حيث سبقتها زيادات مماثلة أعلن عنها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
البنك المركزيّ الأردنيّ قرر نهاية الأسبوع الماضي رفع أسعار الفائدة على كافة أدوات سياسته النقدية بمقدار 50 نقطة أساس، وذلك بعد زيادتها بمقدار 25 نقطة أساس في شهر آذار الماضي.
إجراء البنك المركزيّ ستكون له آثار على أسعار فائدة القروض الجديدة التي تمنحها البنوك وجزءاً من القروض الممنوحة من قبلها سابقا، بالزيادة في هذه الحالة، لكن ما من شك أن قرارات البنك المركزيّ التي تخص إدارة سياسته النقدية هي قرارات حصيفة، وتصب في مصلحة تحقيق الهدف الأسمى للبنك المركزيّ المتمثل أساسا بالاستقرار النقدي والمالي في المملكة، والحفاظ على هذا الاستقرار هو جزء من الأمن الاقتصاديّ والاجتماعيّ الوطنيّ إذا ما نظرنا إليه من زاوية أشمل وأعم.
البنك المركزيّ يدرك أهمية دوره وحساسيته في آن معا في كل المراحل والظروف، وأثبت في كل محطة مرت بها المملكة أنه أحد أعمدة الاستقرار في الاقتصاد الوطنيّ.
إن نجاح المركزيّ في ممارسة دوره المنوط به ينبع من مصداقية عالية، محلية وخارجية، اكتسبها عبر الزمن وهي تعني أن يتم اتخاذ القرار المناسب وبالوقت المناسب.
لقد نأت إدارات البنك المركزيّ بهذه المؤسسة عن الاستجابة للضغوطات مهما كان مصدرها واتخذت قراراتها باستقلالية وبناء على قراءات علمية وواقعية للاقتصاد الوطنيّ والتطورات النقدية والماليّة المحليّة والإقليمية والعالمية، وآفاقها المستقبلية المتوقعة وانعكاساتها على الشأن الاقتصادي المحليّ.
ارتفاع أسعار الفائدة الحالي هو جزء من دورة كاملة لأسعار الفائدة اتجهت هبوطا في السابق وانخفضت معها أسعار الفائدة العالمية والمحلية استجابة لما يطلق عليه ب “الدورات الاقتصاديّة”، والتشدد في السياسات النقدية هو اتجاه ما نراه ماثلا بقوة ليس فقط من قبل البنوك المركزيّة العالميّة، وإنما من قبل بنوك مركزيّة إقليمية وفي دول مجاورة للأردن التي لحقت بالفيدرالي الأميركي ورفعت أسعار الفائدة بشكل آني، وقد نرى مزيدا من التشدد خلال هذا العام على الأقل إذا ما استمرت التوقعات العالمية للتضخم والاختلال في سلاسل التوريد الدولية وفي أسواق العمل على حالها.
رفع أسعار الفائدة المحليّة هو إجراء محمود على المدى البعيد في ظل الارتفاع في أسعار الفائدة العالميّة والإقليمية ويصب في تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ الكلي.
كما انه إجراء استباقي من قبل المركزيّ للمحافظة على متانة الأوضاع النقدية المحليّة والحفاظ على تدفق المدخرات الخارجيّة وخاصة مدخرات الأردنيين العاملين في الخارج التي تتنافس البنوك الخارجيّة على الاحتفاظ بها، هذا بالإضافة للمحافظة على جاذبية الإيداع في البنوك المحليّة.
القرار جاء كذلك لاحتواء الضغوط التضخمية المتوقعة في المملكة، وبالتالي الحفاظ على القوة الشرائية لدخل المواطن، فآفاق الاقتصاد العالمي لا تزال تشير إلى استمرار حالة عدم اليقين وارتفاع في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، يحركها ارتفاع الطلب مع تقدم مراحل التعافي العالمي من تبعات جائحة كورونا، يواكب ذلك نقص في العرض وارتفاع في تكاليف الشحن، إلى جانب الاضطرابات في سلاسل التوريد بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، فأسعار النفط تسارعت مؤخراً بشكل كبير، ويتوقع أن ترتفع هذا العام بنسبة 49.3 %، كما تصاعدت أسعار الغذاء لتسجل مع نهاية العام نموًّا بنسبة 34.5 %، مقارنة بالعام الماضي.
التطورات السابقة والتي ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالميّ ستنعكس بشكل حتمي على الاقتصاد الأردنيّ، الذي يتوقع أن يشهد تصاعداً في المستوى العام للأسعار – رغم بقاء معدلات التضخم عند مستويات مقبولة خلال الربع الأول من العام الحالي (2.3 %) – نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج المحلية والتضخم المستورد في المملكة.
قرار المركزيّ لرفع الفائدة هو قرار اقتصاديّ رشيد للحفاظ على معدّل فروقات ثابتة بين الدولار والدينار الذي يستوجب العمل على تعزيز جاذبيته للحفاظ على الاستقرار النقدي الذي يعتبر آحد أبرز معالم الاستقرار الاقتصاديّ والاستثماريّ في الدولة.