يجب أن نكون واقعيين أن العالم يختلف عما كان عليه في السابق، اليوم العالم لا يوجد فيه أبواب مغلقة، ولا يوجد ما هو مخفي، اليوم الرأي العام الحر يعلم ويدرك تأثير الأقلية اليهودية في الحياة العامة لأمريكا، وقدرتها كأقلية في توجيه سياسات البيت الأبيض نحو أهدافها، ومخططاتها التي لم تتوقف لدعم اليهود داخل أمريكا وخارجها في دولة "إسرائيل" تحديدا.
هذه الأقلية اليهودية التي تتمتع بذكائها في ممارسة الأعمال والتجارة، لدرجة التفوق والاستحواذ على النفوذ الاقتصادي بقدر لا يستهان به، ولا يمكن إنكاره، لأنه حقيقة بالأرقام، وهذه الأقلية هي من احترفت أعمال النشر والطباعة وجندت كل خبراتها وأموالها لتمتلك أسطول كبير من الكتاب والصحفيين والمصورين لفرض سيطرتها على الإعلان والإعلام لتوجه العالم كله في فضائها المسموم والخبيث وتضخيم الأحداث التي تخدمها، وتقزيم قضايا العرب، وبالذات القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي على مدى عقود طويلة، وما تعرض له الشعب الفلسطيني من مذابح وتهجير كان العالم لا يدركها على حقيقتها وبشاعتها في ظل إعلام صهيوني يهودي مهيمن، وقادر بإمكاناته الهائلة لقلب الحقائق لصالحه أمام العالم، وبما تملكه هذه الأقلية من قوة ضاغطة على صانعي القرار الأمريكي والدولي، بنجاحهم أن يكونوا جزءا من النظام المحرك لسياسات أمريكا نفسها ومؤثرين في أغلب دول العالم.
هذه الأقلية تتمتع بأنها ضاغطة وتستند قوتها للدعم الصهيوني وأروقته السرية حينها، والتي تسيطر على رجال السياسة وأعضاء الكونغرس الأمريكي، المهوسون بأهمية الصوت اليهودي بترجيح كفة الميزان لأي مرشح للرئاسة، أو حاكم لأي ولاية، يرغب الوصول للبيت الأبيض، أو مجلس الكونغرس (الشيوخ) الأمريكي.
أدوات الضغط الصهيوني تجد في اللوبي اليهودي ما يحقق مشروع الهيمنة، بحكم امتلاكه وسيطرته على مؤسسات المال والسياسة والحكومات، وكما قلنا أكبر مؤسسات الدعاية والاعلان، ويتحكم بالصحافة والإعلام العابرة للقارات والدول، وبيده الأدوات التي توجه صناع القرار ليس لأمريكا وحدها بل في كبرى الدول وأكثرها نفوذا.
ما يهمنا هنا حقيقة اللوبي اليهودي الداعم لسياسة الغطرسة "الصهيونية اليهودية الإسرائيلية" على أرض فلسطين، ونهجه في تقوية روابط العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية، بما يلائم الصالح الإسرائيلي، وما يحقق غايته وأهدافه، وضبط إيقاع العلاقات مع دول الشرق الأوسط حسب ما يراه مناسبا ويتوافق مع مخططه ونهجه وفكره، دون النظر إلى حاجات الطرف الآخر، سوى ما يراه من ثقب الباب.
هذا وغيره من الأمور يبين مدلولات وحقيقة الموقف الأمريكي، الذي لا يتسم بالوضوح، وينظر بعين كبيرة لما يخص "إسرائيل"، وبعين أخرى من زجاج معتم تجاه القضايا العربية، ونرى هذا الهوس نحو "إسرائيل" والرعاية لها، وكأنه نوع من الحكم الأبوي، أو العائلي، وتندرج بأنها علاقة منقطعة النظير، حتى لا يمكن وصفها بالعلاقات البينية العادية، إنها علاقة وثيقة جدا وبامتياز، وتختلف عن كل العلاقات الدولية التي تسعى الدول لتوثيقها مع بعضها البعض.
العلاقة باختصار تختصر نفسها " بأمن إسرائيل"، ولأجلها حتى الرأي العام العربي، لم يكن ليزعج أمريكا ما دام موقفها متعلق بدولة "إسرائيل"، وأي قرار لأجلها نافذ، وإن تم الاعتراض عليه في هيئة الأمم المتحدة، أو غيرها من منابر العالم، هذا السلوك السياسي شهدناه في كثير مما يخص القضايا العربية، ولا زال الوضع على حاله لم يتغير.