مأزق الديمقراطية البيئية
د. عبدالناصر هياجنه
أستاذ القانون البيئي المشارك/ الجامعة الأردنية
========
الديمقراطيةُ لم تُعد سياسيةً فقط، بل أصبحت بيئيةٍ ايضاً، فمفهوم الديمقراطية البيئية هو أحد المفاهيم الجديدة في القانون والإدارة البيئية، حيث نشأ هذا المفهوم وتطور مع نشوء وتطور الجيل الثالث من حقوق الإنسان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي. وحقوق الجيل الثالث تشملُ الحق في البيئة الصحيّة، والحق في التنمية، والحق في الموارد الطبيعية وما يتفرع عنها من حقٍ في الحصول على المعلومات البيئية والمشاركة في صنع القرارات ذات الآثار البيئية. وقد استقرت هذه الحقوق وتكرّست في العديد من المواثيق الدولية التي صادقت عليها حكومة المملكة الأردنية الهاشمية كمبادئ يقوم عليها القانون البيئي والإدارة البيئية الرشيدة. مما يوجب الاعتراف بهذه الحقوق واحترامها، وعدم الالتفاف عليها من خلال وسائل لم تعد تُقنع الناس، أو تنطلي عليهم.
أكتب هذه المقدمة للحديث –إيجازاً- عن الحلقة التشاورية الخاصة بدراسة تقييم الأثر البيئي لمشروع الأكاديمية العسكرية في منطقة "غابات برقش". فالأصل أن عنوان النشاط "الحلقة التشاورية" يُفيد أن المشروع ما زال في طور التشاور وتبادل الرأي. ولكن الحقيقة الصادمة هي أن القرار بإقامة المشروع متخذٌ فعلاً منذ أشهر، وأن المخططات لذلك موضوعةٌ بالفعل، وما أعاق تنفيذها على أرض الواقع هو الحِراك المدافع عن البيئة والرافض لتخريبها باسم التنمية. هذا الحِراكُ يدعمه رأيٌٍ عام ٌ يرفض مخالفة القانون مثلما يرفض الاستغفال وتحريف الحقائق لتبرير مخالفات القوانين الأردنية ذات الصلة بمشروع الكلية العسكرية في آخر ما تبقى من غابات الأردن.
وتأسيساً على ما تقدم ، أرى أن انتهاكاتٍ جديدةٍ لأبرز مبادئ الديمقراطية البيئية جرت محاولة تمريرها وتسويقها، فالأصلُ أن للإنسان الحق في الحصول على المعلومات البيئية كما أن حقه المشاركة في صنع القرارات ذات الآثار البيئية – المشاركة الحقيقية طبعاً- .
تغييب الحقائق، وتحريفها بإعلانٍ شيءٍ وإخفاء أشياء، يعني أن حق الإنسان في الحصول على المعلومات قد جرى الإلتفاف عليه وانتهاكه. وكذلك الحال بالنسبة لاتخاذ القرار ووضع الخطط واستملاك الأراضي، ثم بعد ذلك محاولة تمرير القرار والمخططات في حلقةٍ تشاوريةٍ ليس لها من اسمها أدنى نصيب فذلك التفافٌ واضحٌ على حق الناس في المشاركة في صناعة القرارات ذات الآثار البيئية وانتهاك لهذا الحق.
مخالفاتُ القانون لا تحتاج إلى مناقشاتٍ ومشاوراتٍ، وهي لا يجبُ، ولا يجوزُ أن تكون محلاً للخلاف والاختلاف، هي مخالفاتٌ يجب تصويبها فوراً، ومساءلةُ مرتكبيها أدبياً وقانونياً. فالقانونُ موضوعٌ للتطبيق وليس للجدل فيه أو مخالفته. وإذا كان القائمون على المشروع "المخالف للقانون" قد ضاقت عليهم أرضُ الأردن بما رحُبت واتسعت في أعينهم غاباته القليلة والنادرة، ويريدون تصويب الوضع القائم حالياً وتدمير الغابة بتنفيذ المشروع في الموقع نفسه، فما عليهم إلا تعديلُ القوانين الأردنية التي جرت مخالفتها من خلال الأصول والإجراءات والهيئات الدستورية!. هذا طبعاً إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. فنحن نثقُ بأن في النوّاب مَنْ يحرص على مصلحة الأردن وموارده، وأجياله الحاضرة والقادمة. - وقبل ذلك وبعده - يحرص على القوانين التي يقوم بتشريعها والتأكد من أنها تُطبّق وتحظى باحترام كافة مؤسسات الدولة.