أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
إصابة أربعة طلاب أردنيين بحادث سير في جورجيا نيويورك تايمز: هدنة محتملة بلبنان لـ60 يوما الصفدي: يحق لنا التباهي بحكمنا الهاشمي ونفخر بدفاع الملك عن غزة حقوقيون : مذكرة اعتقال نتنياهو خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة الدولية الكرك: مزارعون ومربو أغنام يطالبون بإعادة تأهيل الطريق الموصل إلى مزارعهم عجلون .. مطالب بتوسعة طريق وادي الطواحين يديعوت أحرونوت: وقف لإطلاق النار في لبنان خلال أيام الصفدي: حكومة جعفر حسان تقدم بيان الثقة للنواب الأسبوع المقبل حريق سوق البالة "كبير جدًا" والأضرار تُقدّر بـ700 ألف دينار الميثاق: قرار "الجنائية الدولية" خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني الازمة الاوكرانية تقود أسعار النفط تجاه ارتفاع أسبوعي الصفدي: عرضنا على العمل الإسلامي موقعًا بالمكتب الدائم إصابة طبيب ومراجعين في مستشفى كمال عدوان صديق ميسي .. من هو مدرب إنتر ميامي الجديد؟ الأردن .. نصف مليون دينار قيمة خسائر حريق البالة بإربد بريطانيا: نتنياهو معرض للاعتقال إذا سافر للمملكة المتحدة الداوود يستقيل من تدريب فريق شباب العقبة انخفاض الرقم القياسي لأسعار أسهم بورصة عمّان مندوبا عن الملك وولي العهد .. العيسوي يعزي عشيرة النعيمات. وزير البيئة يلتقي المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن
مظفر النواب شاعرا عز نظيره وثائرا قل مثيله
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة مظفر النواب شاعرا عز نظيره وثائرا قل مثيله

مظفر النواب شاعرا عز نظيره وثائرا قل مثيله

24-05-2022 06:58 AM

مهدي مبارك عبد الله - يوم الجمعة الماضي 20 / 5 / 2022 غيب الموت الشاعر والمعارض السياسي والناقد البارز العراقي والعروبي والصوفي واليساري الهندي الحسامي مظفر النواب كاتب حروف القصائد البليغةً وصادم عروش الباغين والصادح بالصوت الشجاع والكلمة المعبرة في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات العربية المتحدة حيث كان يتلقى العلاج بعد صراع طويل مع مرض باركنسون عن عمر ناهز 88 عام كانت سنوات مثقلة تحمل فيه التعب والوجع والغربة والعوز والفقر

النواب يعتبر أحد أبرز شعراء العراق المعاصر الذين بدأوا مسيرتهم الشعرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ورغم شهرة القصائد السياسية اللاذعة للنواب إلا أن شعره العاطفي والغزلي خصوصاً باللهجة العامية العراقية لا يقل جمالاً ورونقاً وسحراً وقد تميز بأسلوب فريد في إلقاء الشعر أقرب ما يكون إلى الغناء أحياناً لا سيما في مواجهة الجمهور أما سياسياً فقد انحاز لقضايا الفقراء ومناهضة الاستعمار وأنظمة الحكم السائدة ونتيجة ذلك تعرض للسجن والملاحقة لفترة طويلة داخل وطنه مما اضطره للرحيل والعيش منفياً في غربته التي ناهزت نصف قرن جال فيها العديد من العواصم العربية والغربيةً

بحضور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جرى تشييع رسمي وشعبي مهيب للشاعر النواب عكس تاريخه الثوري والنضالي حيث استقبل العراق السبت الماضي على وقع موسيقى الشرف ووسط أجواء من الحزن الكبير جثمانه في مطار بغداد الدولي بعدما نقل بالطائرة الرئاسية من الشارقة ثم انتقل الجثمان إلى مقر اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين حيث تجمع المئات من الأشخاص من أجيال مختلفة لوداعه والمشاركة في جنازته ومواراته الثرى في النجف تكريمًا لوصيته بدفنه قرب والدته وتقديرًا لما يحمله من قيمة كبيرة لدى العراقيين

على طول طريق الموكب الجنائزي المؤدي إلى مقر الاتحاد تجمع المئات ممن توشحوا بالعلم العراقي تعبيرًا عن حزنهم لفقدان هذا الرمز العراقي وقد حمل النعش ستة من عناصر حرس الشرف عند إدخاله إلى باحة الاتحاد حيث قوبل بالورود والهتافات وترديد أبيات من قصائده وزغاريد النساء ورفع بعض المشاركين الأعلام العراقية وآخرون صوراً للنواب فيما حمل مناصرون للحزب الشيوعي من رفاقه راية حمراء كبيرة

حين نقف مع أخطر شاعر في العالم العربي على عتبات الماضي الجميل يعود إلى أذهاننا زمن كانت قصيدته ( تل الزعتر– بنت الصباح ) من أشد المحظورات خاصة بعدما أدّاها بصوته الرائع وانتشرت على شريط كاسيت في الأروقة الثقافية وحتى الشعبية وصارت تمثل كنز الغاضبين على قسوة الاستبداد والطغيان الذي مارسه بعض القادة العرب وفتك بالأبرياء وقد هجا النواب معظم الملوك والرؤساء العرب باستثناء الرئيس الراحل معمر القذافي الذي خصص له راتب شهري وجواز سفر ليبي

ولد الشاعر الشعبي النواب العام 1934 في حي الكرخ بالعاصمة العراقية بغداد وهاجرت عائلة جده الارستقراطية إلى الهند أيام حكم العثمانيين للعراق وهناك تولت الحكم في إحدى الولايات الهندية ثم عادت منها إلى العراق بضغط من سلطات الاحتلال الإنكليزي في الهند بسبب مقاومتها له وهو سليل عائلة أدبية ثرية تنتمي إلى البيت الهاشمي وكان جده لوالده يقرض الشعر بالعربية والفارسية وكانت أسرته تتذوق مختلف الفنون والموسيقى

أثناء دراسته في الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر قصائده في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة من قبل الطلاب وقد تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد في ظروف اقتصادية صعبة بعدما تعرض والده الثري إلى هزة مالية أفقدته كل ثروته ومشاريعه ومدخراته

من أشهر قصائده القدس عروس عروبتكم التي شتم فيها الحكام العرب بسبب تخاذلهم في الدفاع عن القدس وكذلك قصيدة وتريات ليلية والرحلات القصية والمسلخ الدولي وباب الأبجدية وبحار البحارين وقراءة في دفتر المطر والاتهام وبيان سياسي ورسالة حربية وعاشقة اللون الرمادي وفي الحانة القديمة وجسر المباهج القديمة وندامى واللون الرمادي والريل وحمد أفضحهم وزرازير البراري والانتفاضة كلماته كانت كبيرة ورنانة

وقد مثلت جميع اشعاره موقفه في عدم الاصطفاف مع السلطة ومقارعته للطغيان حي لقب بـالشاعر الثوري لاهتمامه وإشادته بالرموز الثورية العربية والعالمية كما حاول توظيف شعره في إثارة مشاعر الجماهير العربية ضد الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم بلغته الشعرية الحادة التي وصفت بالقاسية والمتمردة على المألوف في اللغة الشعرية المعاصرة

عرف النواب بنظم الشعر السياسي المعارض والناقد للأنظمة العربية والديكتاتورية والتبعية من دون رحمة او مهادنة وبمفردات لاذعة وجريئة جداً حيث يقول في إحدى قصائده واصفاً حكام العرب ( أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم ) كما كان النواب أيضًا فنانا تشكيليا وواحدًا من أجمل الأصوات العراقية الغنائية الجميلة وقد أعطى اللغة العامية العراقية بعدا جماليًا رائعا

غادر العراق عام 1963 بعد المضايقات التي فرضها القوميون على الشيوعيين حيث كان النواب واحد منهم قبل أن يعاد إلى العراق قسرا من قبل السلطات الإيرانية التي اعتقلته وهو في طريقه إلى روسيا ويودع في سجن نقرة سلمان الشهير جنوبي العراق وقد تمكن من الهرب من السجن عبر حفر نفق فيه وبقي متواريا عن الأنظار حتى عام 1969 بعدما صدر عفو عن المعارضين وعاد إلى وظيفته مفتش في وزارة التربية العراقية التي عمل بها بعد تخرجه من الجامعة

عرف عنه مناهضته لحزب البعث ونظام الرئيس صدام حسين ووقوفه في قصائده الشعبية والفصيحة إلى جانب الفقراء والكادحين كما كتب قصائد خاصة لفلسطين وضد كل من خانوها منها ( قصيدة قالونيا ) التي كانت عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وقد بقي النواب طيلة حياته مناصرًا متحمسا للقضية الفلسطينية حيث خاصم وصالحَ الكثيرين من اجلها ( عراقي الجنسية فلسطيني الانتماء والهوى )

في عام 2011 عاد إلى العراق بعد فراق أكثر من 40 عاما واستقبله بشكل رسمي الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني المعروف بعلاقاته الطيبة مع الشعراء قبل أن يعود ويغادره حيث بقي طيلة أكثر من عقد يعاني من مرض عضال وقد تنقل في حياته بين العديد من العواصم العربية والأوروبية واستقر به المقام في دمشق لكنه ظل ينتقل بين بغداد ودمشق وبيروت ولم يتزوّج قط وليس له أولاد حيث كان يمثل خليط من الحالات والمشاعر في موقف واحد يجمعها الجنون الصارم وسلاطة اللسان والبلاغة وحتى السباب والشتائم والتي جعلت مشاهدته والاستماع لشعره أجمل بكثير من قراءته حيث كان يرتل القصائد بلغة كربلائية شجية

صدرت أول طبعة كاملة باللغة العربية لأعماله في العام 1996 عن دار قنبر في لندن وأبرز دواوينه في الشعر الشعبي الريل وحمد في حين كان آخر بيت شعري له وهو طريح على فراش المرض ( متعبُ مني ولا أقوى على حملي ) أربع كلمات فقط نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كانت كافية ليختزل بها معاناته مع المرض وكانه كان ينتظر الموت حتى جاءه

ترك النواب خلفه مسيرة حافلة بالعطاء والانتماء للكلمة التي صنعت قصائده عشقا ولعالم الفكرة والانسان والتميز والانفراد والابداع في لغة مؤثرة ستبقى ارثا حاضرا في كل مكان وزمان كأيقونة ثورية وأدبية للعراقيين والعرب

بالرغم من أن مظفر النواب شاعر الغضب الشعبي العربي يعد من جيل سابق وقديم الا ان قصائده انتشرت على نحو كبير خلال الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي هزّت العراق في تشرين الأول عام 2019 وتناقلها الشباب تعبيرًا عن رفضهم للواقع السياسي وتحقيقا لأملهم في التغيير وقد ساهم بحضوره غير المباشر في إيقاظ الوعي السياسي والاجتماعي بحقوق العراقيين ووضعهم على مسار المعارضة الواضح والصحيح

النواب الّذي يعرفه المثقّف العراقي يحضر أيضا في قلوب نساء عراقيّات هن أمهات ثكالى وجدن في شعره تعبير عن حزنهن الجبار فلهجن به في نعيهن اعتزائهن حتى من دون ان يعرفن مَنْ يكون النواب

رحل شاعر الحزن والغضب الشعبي والبكاء حتى الضحك والضحك حتى البكاء آخر صعاليك الشعر العربي ونجومه الذي بقي شريداً في الوطن العربي بعدما اقتنع بحالة الطيور المهاجرة والذي طبع شعره في الأزقة الشعبية والغرف السرية ومتاريس الثورات ورائحة الفوتيك واعقاب البنادق من النيل إلى النخيل ومن المحيط إلى الخليج ولسانه السليط يبعده عن الإعلام الرسمي والرعاية الرسمية ولم يفتر لسانه حيث كان رصيده العظيم تلك الملايين الغاضبة والناقمة والمقهورة التي آمنت بمشروعه وكانت تستمع بحب ونهم وشعف إلى قصائده الممنوعة والمهربة التي تميزت بالغليان الشعري والتمرد الثوري

في رحاب الفقد ووجع الغياب وألم الفراق وبعدما وافته المنية واسكت الموت صوته وفكره وعطاءه حيث كان محباً وحبيباً للجميع ونموذجاً يحتذى به في عمل الخير وسمو الأخلاق والتسامح وطهارة النفس ونقاء القلب رحل عن عالمنا الصوت الذي لا صوت إلاه الذي لن يتكرر والذي لا يشبه إلا نفسه وقصائده المظفرية العراقية الثائرة الحزينة فارس الكلمة والموقف شاعر القصيدتين مظفر النواب النهر الثالث للعراق

ودعناه عن بعد ودون لقاء ولسانه السليط يردد وهو يصف الوجع وينقل الحقيقة من ( باع بغداد والقدسَ لن يشتري دِمشق ) وداعا إلى روحك المناضلة أيها ايها الرمز في زمنٍ تضاءلت فيهِ الرموز كل الوفاء لانتمائك وابداعك فقد كنت فلسطينياً حتى النخاع فخورا بإنسانيتك ونبلك في تعاطيك مع الآخرين بمواقفك الشجاعة والجريئة التي الغيت فيها المسافات بين المجاز والحقيقة والتي سيبقى حضورك معها أكبر من غيابك في مملكة الخلود الابدية

رحم الله فقيد العراق والأمة العربية الشاعر المبدع مظفر النواب وغفر له واسكنه فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون
mahdimu.barak@gmail.com








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع