فرق كبير بين نقد وزير ، وبين استغلال خطأ لوزير من اجل الاطاحة بحكومة بأكملها ، وما مارسناه الايام الماضية هو نقد لوزير هنا ووزير هناك ، وليس تثويرا للشارع ولا تحريضا على الحكومة بُمجملها ، لان التثوير مهمة الخلايا النائمة ، وليس وسائل الاعلام.
مُناسبة هذا الكلام ، تلك اللغة التي تحاول ان تجعل كل نقد لاداء وزير او خطأ وزير ، باعتباره ذلك استهدافا مُبرمجا او مُمولا من جانب اي طرف ضد الحكومة الحالية او غيرها. في حالات قد يكون هذا صحيحا. لكنه في اغلب الحالات غير صحيح. الذي ينتقد اداء وزير هنا او هناك لا يُدير حملة بالمعنى المتعارف عليه ، ولا يُجّيرها لحساب احد ، ولا يبحث عن استرضاءات ، اذ ان هناك قضايا تفرض نفسها على خريطة الصحافة ، ولا تستولدها الصحافة ولا تستنبتها من ارض الظلمات للعبث باستقرار اي حكومة.
الاعلام ليس دوره ان يكون بوقا لاي حكومة ، ولا ان يكون سيفا مُسلطا على عُنقها ايضا. هناك حالة موضوعية علينا ان نقبلها ونتعامل معها. كثيرا ما يكون النقد مرآة لرأي الشارع ، وسخطه تجاه بعض القضايا. لا يمكن للاعلام ان يمارس دور المُخّفف تجاه هذه القضايا ، لان عين الناس تقدح قدحا ، وتتنبه الى التلوين والتزوير وتقديم الحقائق مبتورة الاطراف الى الرأي العام. فرق كبير اذن بين من يستهدف الحكومة بالنقد العفيف والنظيف والمشروع ، وبين من يُلبي اجندة احد ، او يريد حرق الحكومة ، او حرق فرصة الرئيس في موقعه ، وفك هذه الاشتباكات في الدوافع ، واجب من الى يمين الحكومة والى يسارها ، لا واجب الكاتب او الصحفي ، الذي عليه ان يُثبت انه ينتقد لوجه الله الكريم ، وليس تصفية لحسابات شخصية.
الحكومة الحالية مُقبلة على قرارات صعبة ، وغير شعبية وهي لا تنكر ذلك. البارحة فقط يقول وزير الدولة لشؤون الاعلام امام الكتاب اننا حكومة لا نبحث عن شعبية ، فديون الخزينة وصلت الى احد عشر مليار دينار ، وهناك حمل ثقيل يتوجب ان نعالجه. لا نختلف على العبء الثقيل ، وخلافنا هو على القضايا التي تخرج مجانا دون سابق ميعاد مثل ملف التوجيهي ، وعلى قضايا تتم جدولتها مثل قضية عمال الزراعة الى الدرجة التي يحاول فيها العمال الانتحار. قد لا نقف مع قرارات الحكومة في كثير من جوانبها ، غير اننا نعرف الفرق بين عدم الوقوف الى جانب قرار ، وبين استغلال اي قرار لبث السموم ، او ترويع الاجواء. نظرية المندسين في الاعلام لا نريدها ، ولا نقبلها. الكل ابناء بلد واحد. والكل يحب هذا البلد ، والكل يريده سالما آمنا ، وقد نختلف على الوسائل المؤدية الى ذلك ، لكننا لا نختلف ابدا على الدوافع.
تريد الحكومة فرصتها وان يصبر الرأي العام عليها قليلا. حسنا. فلتأخذ فرصتها. فلا احد يمتلك برنامجا تصفويا في جيبه بتكليف من احد ، غير ان رسالتنا هي ان لا تخلطوا بين من ينتقد لوجه الله ، وبين من ينتقد لوجه فلان ، فيما رسالتنا الثانية تقول اننا بالكاد نحتمل القرارات الصعبة ، فاكفونا على الاقل شر المفاجآت ، التي تخرج من حيث لا نتوقع ولا نحتسب.
نقد الحكومات في الاغلب نقد وطني نظيف ، وليس بالضرورة ان يكون كل ناقد مندسا في خلية نائمة.
وسّع الله صدور الجميع.
mtair@addustour.com.jo