مشاهدو القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ، كانوا على موعد مساء الثلاثاء الفائت ، مع "فيلم فلسطيني طويل" ، أبطاله قادة كبار في السلطة ، بعضهم أعضاء في الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس الفلسطيني ، صور فاضحة جنسيا ، وثائق عن سرقات واختلاسات ، قصص وحكايات عن "وهن" السلطة في محاربة الفساد ، وضلوع بعض أركانها في التغطية عليه والبحث عن حصة في مغانمه.
السلطة - وهذا أمر طبيعي - نفت الرواية جملة وتفصيلا ، ووصفت "مُسَرًّبَها" ، الضابط السابق في جهاز الأمن الوقائي فهمي شبانة ، بأنه سخيف وساقط ، بل وألمحت إلى احتمال "تعامله" مع الاحتلال ، ورأت في التقرير الذي أعده محرر الشؤون العربية في القناة تسفيكا يحزقيلي ، فصلا من فصول المؤامرة الإسرائيلية على المشروع الوطني الفلسطيني ، وهذه رواية على ما فيها من وجاهة ، ليست مقنعة وحدها ، ولا تثير الارتياح في النفس ، ما لم تقترن وتستتبع بإجراء تحقيق علني وشفاف في كل الادعاءات التي عرضتها المحطة الإسرائيلية ، تكرارا لاتهامات سابقة أطلقها الضابط المسؤول عن فرع "الوقائي" في القدس الشرقية.
إسرائيل الرسمية ، نفضت يدها مما حدث ، ولم تجد حاجة لتوضيحه أو تفسيره أو تبريره ، وأدرجت ما قامت به قناتها العاشرة في سياق حرية الرأي والتعبير واستقلالية وسائل الإعلام ، علما بأن وسائل الإعلام هذه ، لطالما وضعت يدها أو سُرّبَت إليها قصص مماثلة ، من دون أن تبادر إلى إنتاج "فيلم إباحي" كالذي عرضته القناة قبل يومين ، فلماذا فعلت ما فعلت ، وأي ضوء أخضر تحصّلت عليه ، وممن ، وما الهدف ، وهل ما نشرته القناة العاشرة يعد امتدادا لتهديدات ليبرمان لعباس وفيّاض بـ"فقدان" الضفة الغربية بعد "خسارة" قطاع غزة ، إن ظلاّ على "شرطهما المسبق لاستئناف المفاوضات"؟ المسؤول السابق في الأمن الوقائي ، الذي يحاكم في إسرائيل بتهمة "التجسس" لحساب "جهاز أمني خارجي" ، وبتهم تتصل بمقاومة بيوع الأراضي لليهود ، يبدو أنه واحدّ من اثنين: إما ضابط متحمس للقضية المولج بها: محاربة الفساد ، طرق جميع الأبواب لمعالجتها والوصول بها إلى نتائج ملموسة من دون جدوى ، وعندما يئس من فرص الحصول على آذان صاغية وإرادة حقيقة في ملاحقة الفساد والفاسدين ، لجأ إلى ما لجأ إليه.. أو أنه ضابط يائس ، وجد نفسه أمام القضاء الاحتلالي من دون داعم أو نصير من السلطة ، فقرر الثأر والانتقام من الذين تخلوا عنه ، لا سيما وأن الرجل تسكنه قناعات ، بأن مسؤولين في السلطة ، هم من وشوا به للأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، لضمان ملاحقته واعتقاله ، وإسقاط ما بيده من وثائق وتفريغ ما بحوزته من معلومات من قيمتها ، أو انه مزيج من هذا وذاك.
لا الرواية الفلسطينية الرسمية مقنعة لأحد ، فالتجربة الفلسطينية غنية بالحكايات عن الفساد والانحلال والتحرش والابتزاز وغير ذلك مما جاء في تقرير يحزقيلي ، وهي لن تكون مقنعة في المستقبل ما لم تتأسس على نتائج تحقيق جدي وجاد ، شفاف ومسؤول وموثوق ، ثم أن شبانة سبق وأن هدد وتوعد من دون أن يصغي له أحد ، حتى أنه قال قبل أيام لمواقع فلسطينية ، بأنه لا يستبعد أن يجد جثته ملقاة على باب منزله ، لإخراس صوته ومنعه من متابعة مهمته في الكشف عن مواطن الفساد والتفسخ في بنية السلطة ، الأمر الذي دعاه كما قال ، لتهيئة عائلته لاحتمال اغتياله أو الاعتداء عليه.
ولا الرواية الإسرائيلية مقنعة لأحد ، في ضوء الخبرة الإسرائيلية المتراكمة في التواطؤ مع الفساد ، والمساعدة في الإفساد والإسقاط ، وهي لديها أرشيف يضاهي كل ما يمكن أن يكون قد وقع في قبضة شبانة من قصص وأفلام وتسجيلات وكاميرات خفية ، وبعشرات المرات ، بيد أنها تبقي دائما هذا الكنز الثمين في حوزتها ، لغايات التجنيد والابتزاز ، وتفرج عنه عندما تكون بحاجة لممارسة الضغوط ، وليس مستبعدا أن يكون "ضوؤها الأخضر" قد أشعل في هذا السياق.
الخلاصة ، أننا أمام مشهد مزرْ جديد ، فرسانه مسؤولون كبار في السلطة ، وموضوعه يراوح بين الجنس والعري والإسقاط والابتزاز والاختلاس والإثراء واستغلال النفوذ ، أما توقيته ففي أسوأ ظرف على الإطلاق ، في لحظة القرارات الحاسمة والكبرى ، سواء على مسار المفاوضات مع إسرائيل أو المصالحة مع حماس ، ولا ندري كيف ستؤثر "فتح غيت" كما أسمتها القناة التلفزيونية الإسرائيلية على سلوك السلطة على هذين المضمارين ، بيد أننا نعرف بأنه صار لدينا سبب إضافي للاكتئاب والكآبة.