مع عيد الاستقلال هذا العام نطوي السنة الأولى من المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية ونمشي بثقة في مواجهة التحديات.
ليست أسوأ وأصعب التحديات ما دمنا قد تخطينا تهديدات وجودية مرعبة في محطات مفصلية عبر القرن الماضي.
المعاناة الاقتصادية والمعيشية والتعثر النسبي في أداء مرافق و خدمات أو البطء في مواكبة التحديث الاداري والتحول الرقمي ليست قلقا وجوديا مع دولة قوية ونظام سياسي مستقر ومؤسسات مدنية وعسكرية راسخة وسلم مجتمعي متين. فهناك دائما الوقت والفرصة لإستدراك ما فات وتمكين افضل الأفكار والمشاريع من شق طريقها وأمامنا اليوم مثلا شاهدا في أقوى واوضح مشروع للتحديث السياسي يتم وضعه في العقود الاخيرة.
إحدى المبادرات الجميلة التي أحببت التنويه لها هي الاحتفال الديني للكنيسة بعيد الاستقلال. كان المشهد مهيبا لصف من ضباط الرتب العالية يجلسون على جانب المذبح في صدر الهيكل باللباس الرسمي (الدركي) يتابعون بوقار صلاة الأحد. ثم من ترنيمة الى أخرى انتبهت في لحظة أن اللحن هو للسلام الملكي والكلمات هي كلمات النشيد الملكي كان يشدو به حشد من الكهنة والمرتلين قوبل في نهايته بتصفيق حار من الحشد الذي ملأ الكنيسة وفاض عنها الى محيط مطرانية الروم الأرثوذكس في الصويفية.
لعلها المرة الأولى التي يخلط بها الكهنة في الصلاة امام المذبح بين ترنيم ديني ونشيد وطني بل لعلها المرة الأولى التي يكون فيها القداس – قداس الأحد – هو نفسه احتفاليا بمناسبة وطنية. والعادة أنه في نهاية كل صلاة احد حين يكون هناك مناسبة وطنية يتم الإشارة لها في الوعظة التي يقولها الكاهن الى جانب الادعية لحفظ جلالة الملك وتوفيق الحكومة وحماية الوطن والمواطن.
شارك نواب وأعيان وعسكريون مسيحيون في القداس الاحتفالي واحترمنا وأحببنا تمييز أبناءنا في القوات المسلحة بتقديمهم في صف خاص الى الأمام قرب المذبح وهم من كبار الضباط ممثلين عن قطاعاتهم في قواتنا المسلحة والخدمات الطبية والأمن العام.
لا تحتاج الكنيسة الى اثبات عمق انتمائها الوطني والقومي فهذا مشهود عبر التاريخ. لكن ظهور خطاب الكراهية الإقصائي محمولا على موجة التطرف التي ابتليت بها المنطقة ربما استوجب اعادة التركيز على حقيقة الشراكة والانتماء الوطني والقومي ووحدة الدم والمصير والارتباط التاريخي للمسيحيين بأرضهم وبأبناء جلدتهم المسلمين في الأردن وفلسطين والمشرق العربي. وتشاء الصدف ان تظهر هذه المعاني بأجلى صورها جنازة الصحفية الفلسطينية العربية المناضلة ابنة القدس شيرين أبو عاقلة حين اختلط قرع النواقيس بآذان المساجد والترانيم بالتهليل والتكبير الهادر على طول الجنازة الحاشدة تحت اسوار القدس.
وأمس كان جلالة الملك يرتقي بالاردن لأعلى مراتب الالتزام الوطني والقومي والتضامن الشجاع المقدام مع الشعب الفلسطيني حين تم منح ارفع وسام اردني وسام الاستقلال الى الشهيدة شيرين أبو عاقلة وتسلمته عائلتها وقد تمت دعوتهم ضيوفا كراما على احتفال عيد الاستقلال.
كل عيد استقلال وأنتم والأردن بألف خير.