منذ سنوات لم تصلني رسالة بالبريد العادي.. فالبريد الألكتروني لعن سنسفيل مكاتب البريد العادي في العالم.. ووقّف حالهم.. حتى مكتب البريد الذي كان يزيّن قريتي: ذهب مع تغييرات العصر الحديث..،،.
ورغم عشرات الايميلات التي تصلني يوميّاً وعشرات المسجات أيضاً.. إلا إنني كلما ذهبتُ لجريدة الدستور مازحتُ شباب الاستعلامات: شو ما في إلي رسالة هيك أو هيك..؟ ويؤكدون لي وهم يضحكون بأنّ لا رسائل بريدية لي.. فأرجوهم أن يكتبوا لي هم وأن يضعوا الرسالة في مغلف عليه إطار متقطع "أحمر أزرق أحمر أزرق.. وهكذا دواليك"..،، أريد أن أعيش حالة الاحتفاء القديمة بوصول رسالة بالبريد العادي..،،.
آخر مرة ذهبتُ فيها للجريدة.. وجدتُ رسالة لي بالبريد العادي.. والله العظيم بحكي الصحيح.. خطفت الرسالة بسرعة لأتأكد أنها ليست "سحبة فيلم" من شباب الاستعلامات.. لا.. ليست سحبة فيلم.. مغلف عليه إطار "أحمر أزرق أحمر أزرق" وعليه "طابعان" كل طابع قيمته 200" فلس".. وعليه ثلاثة أختام.. أحدهم ختم "القطرانة".. وعليه صندوق بريد.. واسم المرسل: صالح عودة الحجايا..،، إذن.. هي رسالة حقيقيّة من مكتب بريد عادي.. ولا مجال للتشكيك.. إلا إذا ذهب أحد شباب الجريدة إلى القطرانة خصّيصاً ليرسلها لي من هناك..،،.
لم أفتح الرسالة على طول.. بل انتظرتُ حتى عدتُ للبيت.. أريد أن أمارس طقوس عالية النشوة فرحاً بها..،، وها قد وصلت البيت.. أخرجتُ الرسالة ودون أن يراني أحد: قبلتها "وجه وقفا".. وضعتها على طاولتي.. فتحتها بشويش.. عاملتها برقّة.. قرأتها.. ضحكتُ على الحكاية التي أرسلها صالح الحجايا لي.. لكنها حكاية رمضانية بامتياز.. سأحكيها لكم في رمضان القادم على خير وهداة بال..،،.
كل يوم أتأمّل الرسالة عدة مرات.. فهذه رسالة بخط اليد وبالبريد العادي وعليها أختام وطوابع.. وليست رسالة تكنولوجيّة لا تجعلك تلمس حرفاً من حروفها..،، قلتُ لكم: رسالة بالبريد العادي.. الله على العادي.. أين ذهب..؟ فعلاً يرحم أيّام العادي.. لأننا بعد أن فقدنا العادي: أصبحنا بعده "لا عاديين"..،،.
abo_watan@yahoo.com