ماهر ابو طير - الذي جرى في القدس، أول من أمس، أي قبل يومين، يختلف عن أي مواجهات جرت داخل القدس، خلال السنوات الماضية، لان مؤشر التصعيد هذه المرة ارتفع إلى درجة خطيرة جدا.
علينا أن نشير أولا إلى عدة حقائق، أولها أن ملف المسجد الأقصى، والحرم القدسي، بات يخضع للتجاذبات الإسرائيلية، فرئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة بنيامين نتياهو يذهب إلى حائط البراق ويحمل العلم الإسرائيلي، ويحشد حوله جموع الإسرائيليين، في معركة سياسية للتحشيد ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، نفتالي بينيت، الذي يتخوف من سقوط حكومته من جهة، والمخاوف من انتخابات مبكرة في إسرائيل، والتحشيد على اشده ويتم استعمال ورقة الأقصى بين السياسيين الإسرائيليين لجذب الأصوات وتثبيت التحالفات داخل إسرائيل ذاتها.
هذا يعني أن ملف الأقصى سيتعرض إلى ضغط أكبر خلال الفترة المقبلة، ولا يمكن هنا أن يقال إن أحد الرئيسين أخف من الآخر. كلاهما يتحد مع الجماعات المتدينة في ذات المضمار.
يقال هنا أيضا ان الحقيقة الثانية بارزة جدا، فإسرائيل برغم كل عقود الاحتلال، والإجراءات التعسفية، وايذاء الفلسطينيين بوسائل مختلفة، لم تتمكن من التفرد بالأقصى، وليس أدل على ذلك من حاجتها للآلاف من عناصر الشرطة الإسرائيلية لتأمين مرور مسيرة للإسرائيليين، والمشهد من ناحية أمنية وسياسية، يثبت سقوط دولة الاحتلال داخل القدس، بل تكفي صورة طائرة الدرون وهي فوق الأسوار القديمة للقدس، حاملة العلم الفلسطيني، وإذا كان العلم وحيدا هنا، فقد كان أعلى من كل الأعلام الإسرائيلية في شوارع القدس، بل ان صورة الدرون تقول شيئا آخر، فهذه المرة تحمل علما، والمرة الثانية لا يعرف أحد ماذا ستحمل، وجنون إسرائيل يتبدى بالغضب من رؤية أي علم فلسطيني داخل القدس، أو حتى في مسيرة أو حفل زواج، أو جنازة، بما يثبت عجز الاحتلال في معركة الهوية، أي هوية المدينة بما تعنيه تاريخيا.
إذا كانت كل هذه المواجهات التي تتصاعد في القدس عاما بعد عام، تتزايد من حيث حدتها، فإن الحقيقة الثالثة هنا، أن الخط التصعيدي سوف يتزايد، وهذا يعني بشكل مباشر أن الفترة المقبلة، ستشهد أزمات أكبر، كون الاحتلال لا يستطيع التراجع عن خطه الذي يغذي علنا المواجهات في القدس، ولا يستطيع ارضاء أحد على أي مستوى، مقابل خسارة الحلفاء الإسرائيليين، والواضح أن الحسبة الداخلية في كينونة الاحتلال، هي التي ستقود السياسات الإسرائيلية، خلال الفترة المقبلة، وليس اتفاقية اوسلو، أو وادي عربة، أو أي علاقات سياسية، أو اتصالات قد تجريها أطراف دولية مع الاحتلال من أجل التهدئة داخل مدينة القدس.
اما الحقيقة الرابعة فهي أن مواصلة الدبلوماسية الفلسطينية والعربية الحديث عن حل الدولتين، وعملية السلام، وغير ذلك من مفردات، يبدو أمرا غير واقعي، لان إسرائيل تخلت عما يسمى عملية السلام والتي استفادت منها بانتزاع اعتراف فلسطيني بشرعية إسرائيل على ثلاثة أرباع فلسطين، ووظفتها من أجل جمع الفصائل الفلسطينية داخل الضفة الغربية بدلا من ملاحقتها خارجيا، ومن أجل نقل مهمة تطهير الضفة من المقاومين من أجهزتها، إلى أجهزة السلطة الوطنية، فيما حل الدولتين انتهى على أرض الواقع بسبب مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وتقطيع أوصال الضفة، وعزل غزة، وهكذا يمكن القول إن حل الدولتين تم دفنه منذ زمن بعيد.
ولا يمكن هنا ان نتجنب الحقيقة الخامسة، أي توقع حدث كبير مفاجئ في القدس، ضد الحرم القدسي، أو أحد مسجدي القبلي أو قبة الصخرة، أو تقاسم الحرم ذاتها والسيطرة على المساحات المفتوحة فيه بجانب المسجدين، لان إسرائيل وصلت ذروة التصعيد، وتريد الخروج من عقدة الحرم القدسي، بأي طريقة، كونها غير قادرة على مواصلة دفع كلف الاقتحامات اليومية والمواجهات، وتريد حسم هذا الملف، بتأمين ما يريده الإسرائيليون داخل الحرم القدسي، وقد يأخذنا هذا إلى سيناريو الانفجار الأكبر داخل القدس خلال هذا العام، أو العام المقبل.
والانتظار عقيدة عربية، والكل يتفرج، والأيام محملة بالمفاجآت الصعبة في القدس.