سلامة الدرعاوي - جرت العادة في السنوات الماضية أن يرتفع عجز الموازنة عن المقدّر لسببين رئيسين هما:
الأول: مخالفة الحكومة لقانون الموازنة في بند النفقات وعدم التزامها بالقانون الماليّ للدولة، من خلال اتخاذ قرارات وسلوكيات أدت لمزيد من النفقات، خاصة في التوظيف وما إلى ذلك من تبعات ماليّة جديدة، إضافة إلى سوء في تقدير الإيرادات العامة وعدم التحوّط في تقديراتها، الأمر الذي ساهم بنموّ العجز والمديونيّة.
ثانياً: ارتفاع أسعار الطاقة عالميا والتي رتبت على الخزينة كلفا ماليّة خطيرة سواء بانقطاع الغاز أو بجنون أسعار النفط وتجاوزها بأكثر من 50 % من الأرقام التقديرية التي بنيت عليه مؤشرات الموازنة العامة.
الأسباب السابقة كانت هي على الدوام عوامل رئيسيّة وأساسيّة في زيادة عجز الموازنة وتراكم المديونيّة بهذا الشكل السلبي.
لكن اليوم، الأمر مختلف جداً، إضافة إلى الأسباب السابقة فقد ظهرت في المشهد الاقتصاديّ العام أسباب جديدة ستدفع حتماً بمخالفة قانون الموازنة باتجاه زيادة العجز الماليّ الذي هو أساسا عجز كبير نسبياً خاصة من حيث الأرقام المطلقة (2.356 مليار دينار العجز المجمع)، فأسعار القمح تجاوزت المقدّر الذي اعتادت وزارة الصناعة شراءه في السنوات الماضية عند حدود الـ(230-260) دولارا للطن، إلى شرائه في الأشهر الماضية بأسعار تجاوزت الضعف في بعض العطاءات التي طرحت خلال الأشهر القليلة الماضية، فآخر سعر اشترت به الحكومة القمح كان ب430 دولارا من الهند، وبقية الدول كانت تبيعه بحدود الـ480 دولارا.
هذا يعني ببساطة أن كلف الدعم المستحقة من الخزينة للقمح الذي تدعمه من خلال الخبز بأكثر من 200 مليون دينار سنويّاً سيتضاعف هذا الرقم بالحد الأدنى إلى ما يزيد على 450 مليون دينار، مع نهاية هذا العام إذا بقيت موجة الأسعار على ما هي عليه وهي مرشحة للاستمرار بهذا الاتجاه الصعودي لسنتين على أقل تقدير.
قرارات الحكومة الأخيرة التي ارتبط بأبعاد شعبوية واجتماعية فيما يتعلق بتثبيت أسعار المحروقات لأربع مرات متتالية كلفت الخزينة في الربع الأول من العام الحالي ما يقارب الـ 165 مليون دينار.
عدم قدرة الحكومة على السير بخطى سريعة في مسألة الإصلاح الإداري خوفا من عمليات إعادة الهيكلة يعني ان الخزينة ستواصل دفع مستحقات ماليّة لجهات لا يوجد لها حاجة أساسا.
حتى بعض قرارات التوظيف لم تتخذها الحكومة بسرعة الفترة الماضية واستحالتها لبعض المطالبات كان لها كلف عالية على الخزينة ستظهر آثارها الماليّة السلبية مع نهاية العام الماليّ.
ولا ننسى أن ارتفاع أسعار الفائدة عالميا يعني أيضا أن كلف التمويل على الخزينة سترتفع تلقائيا من جهة، وستزداد قيمة مدفوعات الحكومة للوفاء بالتزاماتها للدائنين للدين المقوم بالدولار من جهة أخرى.
أمام هذه الكلف الجديدة التي ستطرأ على الاقتصاد سيكون هناك نموّ غير محسوب له في النفقات العامة، ولم تتمكن الإيرادات المحليّة بأي شكل من الأشكال أن تعطي هذه الزيادات من أنشطتها الذاتية ما لم يكن هناك دعم استثنائي خارجي للخزينة لتلبية هذه النفقات التمويليّة الجديدة والطارئة، وهذا أيضا غير موجود بالحسبان أو مخطط راسم السياسة الرقابية للدولة، وما حصل فقد يكون بحجم متواضع ولمرة واحدة غير مبرر.
الخيارات تبدو صعبة أمام الحكومة لضبط عجز الموازنة أو حتى الالتزام بالمقدر في الموازنة، لذلك لا بديل أمام الحكومة سوى بجراحة عميقة لبند النفقات العامة وإيقاف المشاريع التي لا قيمة اقتصاديّة مضافة لها على الاقتصاد، وإعادة النظر في كل بنود الدعم المخصصة في الموازنة باستثناء القمح في الفترة الراهنة، حتى لا تتفاجأ بعجز مالي قد يكون الأكبر في تاريخ الموازنات العامة للمملكة.