زاد الاردن الاخباري -
محمد قبيلات - تتصدر مواقف وتصريحات رئيس الوزراء الأسبق رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية، سمير الرفاعي، نشرات الأخبار والنقاشات السياسية الدائرة في أوساط ومستويات الاهتمام السياسي الأردني.
ويكاد أن ينفرد الرفاعي بطرح مجموعة من الأفكار والعناوين المميزة، التي حسب تكهنات بعض المتابعين، يمكن أن تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع في المرحلة المقبلة.
لعل مصطلح "برامجية الأحزاب السياسية" هو ما أثار تلك التكهنات، وربما زاد من رجاحتها، استخدام المفردة بداية من قبل الرفاعي ومن قبل مستويات متقدمة في صناعة القرار الأردني، وحددت فيما بعد شكل الأحزاب الأردنية، وقد مرت فكرة برامجية الأحزاب من دون ممانعة من أي طرف من الأطراف المعنية، بل أصبحت في موضع التأكيد والاستعمال اليومي في أدبيات الطبقة السياسية، بعد أن مرت في كافة مراحلها الدستورية والقانونية وأصبحت قيد التنفيذ.
الغريب أنه برغم تدني مستويات الثقة بالطبقة السياسية، وبرغم الاعتراضات الشعبية الواسعة على سياسات وخطط ومقترحات الحكومات، إلّا أنّ مستويات الخبرة ممن يمكن وصفهم بالمفكرين، أو العارفين، لم يقدموا أية مرافعات أو أي مستوى من الجدال بهذا الخصوص، حتى ولا من قبل المعنيين مباشرة، أعضاء وقيادات الأحزاب التي يمكن وصفها بالعقائدية، بل؛ تعامل الجميع مع الفكرة بتسليم غريب، أو ربما كما يتعاملون مع كل الأوامر والأفكار التي تنزل عليهم من "فوق"، برغم تضرر مصالحهم على المستوى الحزبي أو الفئوي.
إذ لم يسأل أحد منهم نفسه، كيف لحزب برامجي أن يضع برنامجه السياسي الذي هو بمثابة خطة لِتَسلُّم زمام الأمور، أي السلطة، أو الحكومة في أقل تقدير، من دون أفكار جذرية تتعلق بالمساواة والحقوق وتوزيع الثروة وأسلوب الإدارة.
فالحزب لا يمكن أن يكون حزبًا من دون أيدولوجيا تحدد مسار أفكاره وخططه لبناء المجتمع، مثلا، هل يؤمن بالطريقة الرأسمالية ومُثل حرية السوق، أم أنه يميل لأسلوب الإدارة الاجتماعية للدولة، على أساس مبادئ ونظم الاشتراكية والتوسع في القطاع العام مقابل الملكيات الفردية، وموقفه من الرعاية الاجتماعية، هل هو ليبرالي أو يميني أو عمالي؟ أو يؤمن بالديمقراطية الاجتماعية؟ لا أحد يعرف، لا أحد يسأل، لا أحد يجيب، أليس هذا أمرًا غريبًا وعجيبا؟!!
فلا يمكن للحزب، أي حزب، أن يضع خطة للتنمية خارج هذه الأطر المشدودة كل منها لايدولوجيا معينة، فمن أين ابتدع السيد سمير الرفاعي هذه الأحزاب (العصامية) التي ستتكون من مجموعات من العصاميين، المعصومين عن الايدولجيات، الطامحين فقط باستلام المناصب، ولا يحملون من المؤهلات سوى التسلق والتزلف ومهارات النميمة السياسية.
الخوف كل الخوف ألا نية حقيقية للسماح بأحزاب قوية، وأن لا انتخابات حقيقية سترى النور، وما هذا الذي يجري سوى همبكة من همبكات الأوَّلين الذين أرسوا وثبتوا مبادئ الاحكام العرفية.
أيضا هناك فكرتان لا يتوانى دولة سمير الرفاعي عن طرحهما في كل مناسبة، إلغاء ديوان الخدمة المدنية، وإعادة هيكلة ضريبة المبيعات، بحيث تكون تصاعدية،على سبيل أن تكون أكثر عدالة.
وللأسف، الفكرتان على درجة عالية من الهشاشة والسطحية، ولا تؤدي أي منهما إلى تغيير أو حل، مثل إغلاق ديوان الخدمة المدنية وإنشاء بدلا منه وزارة للتشغيل! ما الذي ستفعله الوزارة غير أن تنقل لها الأضابير إياها، وبدل مدير عام لديوان الخدمة المدنية يصبح عندنا وزير للتشغيل.
أما بخصوص ما يُطرح عن ضريبة المبيعات، فهي ليست بالأفكار العظيمة، ولن تغير من الوضع القائم شيئا، حيث أن المقصود، من أحاديث الرفاعي بهذا الخصوص، ألا تكون الضريبة على السلع بل على الدخل، والحقيقة أن الضريبة وضعت بهذا الشكل لسهولة تنفيذها على المستوردات، كون 95% من مستهلكاتنا مستوردة، أي أنها تُحصّل على البيان الجمركي عند دخول البضاعة من الحدود، مع العلم أنها تصاعدية، فإذا دققنا في حصص الأفراد وإسهاماتهم الضريبية، نجد أن العائلة التي تنفق خمسمئة دينار تدفع منها ثمانين دينارًا لضريبة المبيعات، بينما تدفع عائلة أخرى مئة وستين دينارًا إذا كان إنفاقها يصل إلى ألف دينار وهكذا...
لقد كان من الأجدر المطالبة ببناء قاعدة معلومات وطنية تسهل على الجهاز الضريبي الوصول للمكلفين المتهربين أو القطاعات التي يمكن تكليفها، ورفع كفاية الجهاز الضريبي وتحصينه بالقوانين الحازمة، من أجل أن يكون تحصيله أكبر من ذوي الدخل المرتفع، وممن يهربون أرصدتهم خارج البلاد، إننا بحاجة ماسة لتشريع قانون يشبه "فاتكا"، قانون الامتثال الضريبي الأمريكي، الذي يفرض على كل مواطن أمريكي، أينما وجدت له أرصدة أو اية نشاطات اقتصادية، داخل وخارج حدود البلاد، بأن يدفع ما يجب عليه للخزينة، وهو قانون يشكل جزءا من تحرك الحكومة الأمريكية لمحاربة التهرب من دفع الضرائب، خصوصا بعد أن اعترفت البنوك السويسرية الكبرى، عام 2014، بمساعدة الأمريكيين على إخفاء أصولهم المالية في الخارج.