يواجه العالم الآن نقصاً حاداً في تأمين الغذاء وخصوصاً المحاصيل الإستراتيجية وأهمها القمح ومما زاد الأمر خطورة هي الحرب الروسية –الأوكرانية ,حيث أدت إلى حرمان العالم من إنتاج تلك الدولتين لهذه المحاصيل إضافة إلى توقف سلاسل الإمداد العالمية وجائحة كورونا التي بدأ العالم بالتعافي منها ناهيك عن التغيّر المناخي وقلة الأراضي الزراعية نتيجة التصحر والزحف العمراني عليها والإرتفاع المفاجىء بأسعار النفط ,كل ذلك أدى إلى النقص في كمية إنتاج الغذاء والإرتفاع الحاد لأسعارها لهذا العام متجاوزة المستويات القياسية التي سجلتها عام 2008, وكذلك نقص المعروض للتصدير وخصوصاً أن بعض الدول بدأت بالفعل إيقاف تصديرها من مادة القمح مثل روسيا والهند إضافة إلى المنع القصري للتصدير من قبل أوكرانيا بسبب الحرب ولو قامت الدول الأخرى بإيقاف التصديرأو قللت منه لوقعت الكارثة.
احتلت روسيا المركز الأول بتصدير القمح للعالم بمقدار 37.3 مليون طن سنوياً,بينما جاءت أوكرانيا في المركز الخامس عالمياً بمقدار 18.1 مليون طن في 2020-2022 وكانت مصر أكبر المستوردين للقمح عالمياً بمقدار 12.1 مليون طن والجزائر إحتلت المركز الرابع بمقدار 7.7 مليون طن وتشكل الدولتان ما مجموعه 34% من عدد سكان الوطن العربي لعام 2021 والبالغ 438 مليون نسمة ناهيك عن بقية الدول العربية المستوردة للقمح حيث ذكر تقرير أمريكي أن 9 دول عربية تستورد 22% من واردات القمح في العالم, وتشكل ما تستورده الدول العربية مجتمعةً من هذه المادة ما نسبته 25% من واردات العالم والبالغة بمجملها الكلي قرابة 198.5 مليون طن عام 2020, وحسب البورصة العالمية للقمح (المتوالية بالإرتفاع) والتي بلغت اليوم 453 دولار للطن, فإن العالم العربي يدفع سنوياً لإستيراد القمح قرابة 20 مليار دولار.
هذه الأرقام مرعبة لإعتمادنا على الخارج بتأمين قوت شعوب الدول العربية, لذلك وجب علينا دق ناقوس الخطر للأمن الغذائي العربي , فالعالم العربي ينتج فقط 43% من إستهلاكه للقمح والباقي يتم إستيراده ناهيك عن بقية المواد الغذائية التي لن اتطرق لها في هذه المقالة.
لذلك على جميع الدول العربية أن تضع مصلحة غذاءها كإستراتيجية قومية بأن تكون مستقلة تماماً وتنتج وتسد إستهلاكها السنوي من هذه المادة من خلال المقترحين التاليين :
المقترح الأول:
1- تغيير إسم وزارة الزراعة ليصبح إسمها "وزارة الزراعة والأمن الغذائي" أو تأسيس هيئة مستقلة تدعى "هيئة الغذاء القومي".
2-تقوم بالتنسيق الكامل مع القطاع العام والخاص لزيادة إنتاج مادة القمح وبقية المحاصيل الغذائية وسد الإحتياجات المحلية منها, وتكون مسؤولياتها السابقة والجديدة كالتالي:
- جلب واستخدام التكنولوجيا الحديثة لزراعة هذه المحاصيل (الزراعة الذكية).
- إستخدام التقنيات الحديثة في مراحل الزراعة مثل الطائرات المسيرة Drones لزيادة الفاعلية واختصار الجهد البشري والزمني في الإنتاج.
- تفعيل برامج الإرشاد الزراعي على جميع الوسائل الإخبارية والمنصات الإلكترونية المقروءة والمسموعة منها.
- إدخال مادة دراسية لطلبة المدارس تحت مسمى الإرشاد الزراعي والغذائي.
- متابعة آخر المستجدات والتطورات في القطاع الزراعي بالإضافة إلى أبرز الإبتكارات الحديثة في التقنيات الزراعية.
- في حال وجود حديقة منزلية مزروعة بنباتات غذائية أن يكون هناك تصريف آخر للماء داخل المنزل يُستخدَم فقط عند غسيل الطعام وتنظيف المواد من الغبار (بدون استخدام المنظفات الكيميائية) ليتم تجميعه والإستفادة منه في ري هذه الحديقة طيلة العام بدل من هدر مياه الشُرب واستخدامها للزراعة , فهذه العملية من الممكن أن توفر معدل سنوي للماء لكل أسرة تتكون من 5 أفراد بما مقداره 24 متر مكعب من الماء الصالح للري وبمعدل مترين كل شهر, على فرض أن كل أسرة تستهلك بكل دورة 30 متر مكعب( يذهب منها 20% لهذه الغاية) .
- التنوع البيولوجي للبذور وتحسينها لمقاومة الجفاف (إستخام أقل للمياه) ومقاومة الأمراض الزراعية والحشرات واستخدامها الصحيح حسب المناطق الزراعية.
- زيادة عدد الخبراء والفنيين المختصين بالزراعة وتأهيلهم عن طريق المعاهد والجامعات بإستحداث تخصصات جديدة تُعنى بذلك, وعقد دورات متخصصة في هذا المجال.
- إنشاء مختبرات زراعية ريادية تحاكي الظروف البيئية المشابه للواقع وإدخال التحسينات لزيادة الإنتاج كماً ونوعاً من تُربة وأنواع بذور محسنة وآفات زراعية وإستخدام أقل وآمن للمبيدات.
- الإستثمار بالزراعة وإعفاء المزارعين والمستثمرين من الضرائب المترتبة على مستلزماتها وتوفير الأراضي الصالحة للزراعة لهم وإزالة المعيقات.
- إستخدام أفضل للأسمدة والمبيدات وتوفيرها بأسعار مناسبة.
- توفير مصادر مياه صالحة للزراعة من( مياه جوفية, تخزين مياه الأمطار من سدود وحفائر,وإعادة تدوير المياه وتحليتها,....)
- المساعدة على إنشاء صندوق عربي لتمويل زراعة هذه المحاصيل لتسد حاجة الدول العربية بأسعار تشجيعية.
- إستصلاح الأراضي الزراعية حسب التوزيع الجغرافي للسكان .
- تغيير النمط الزراعي وتوجيهه لزراعة المحاصيل الإستراتيجية.
- وضع معايير رقابية للجودة ومختبرات ذات تقنية حديثة للفحص.
- عمل بنوك للبذار المحسنة والمعالجة لغايات استكمال الأبحاث والتجارب عليها.
- تشجيع صغار المزارعين على زراعة مثل هذه المحاصيل وتقديم التمويل اللازم لهم , وشراء إنتاجهم بأسعار تشجيعية.
- دراسة معمقة للبيانات الجغرافية المكانية من أجل تدخلات هادفة في مجال الزراعة والقيام بزراعة عينات على أرض الواقع في جميع أنواع الأراضي الصالحة للزراعة وخصوصاً التي لم تستخدم بعد لدراسة وتقييم النتائج.
- تثقيف المواطن وتوعيته بأهمية الحفاظ على المنتج والأنماط الإستهلاكية.
- تهيئة الصوامع للتخزين المناسب وسهولة الوصول إلى مراكز التوزيع الرئيسية.
المقترح الثاني:
تشكيل إتحاد عربي تحت مسمى "الإتحاد العربي للأمن الغذائي" يكون أعضاءه جميع الدول العربية ومهامه كالتالي:
- تأسيس صندوق تحت مسمى " صندوق الأمن الغذائي العربي" لدعم إنتاج هذه المحاصيل وتسويقها , بحيث يتم تمويل وإقراض ومتابعة كل دولة عربية تقدم دراسة شاملة لخطة عملها لزراعة هذه المحاصيل من حيث المساحات وما تحتاجه من مستلزمات وكوادر بشرية,..., وأن يديره خبراء ماليين على مبدأ الربح والخسارة ويساهم فيه القطاع الخاص من بنوك وصناديق سيادية في الوطن العربي , ومن الممكن أن يُدر أرباحاً سنويةً لأن المبلغ الذي تدفعه الدول العربية لإستيراد محصول القمح من الخارج يُغري للإستثمار والتمويل لهذا الصندوق, ناهيك عن الإرتفاع المتواصل لسعر هذه المادة عالمياً.
- عقد إجتماعات ربعية لتذليل الصعاب للدول التي تعاني من معيقات في زراعة هذه المحاصيل.
- حوسبة الإنتاج والأراضي الزراعية ليكون الإتحاد على معرفة تامة بكمية الإنتاج لكل دولة وذلك ليشرف على توزيع هذه المحاصيل وتصديرها داخل الدول العربية وبأن يكون لدى كل دولة معرفة وإطلاع تام لما يُنتَج وما هو مُعَد للتصدير لإبرام صفقات الشراء.
- إنشاء موقع الكتروني للإتحاد العربي للغذاء يوفر جميع المعلومات الزراعية والغذائية والإنتاجية والتصديرية.
- التنسيق بين الدول ليتم إدارة وزراعة المحاصيل حسب الإحتياجات بحيث يتم توجيه الزراعة بما يضمن تسويقها داخل البلدان العربية.
- التواصل مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لمواكبة ما هو جديد والإستفادة من الخبرات العالمية.
- إنشاء أو استئجار إسطول شحن بري وبحري وجوي مُعد للتعامل مع هذه المحاصيل لسرعة وصولها عند طلبها وبأسعار تفضيلية.
- عقد مؤتمر سنوي على مستوى الدول العربية لمشاركة الخبرات والأبحاث والنتائج في مجال الزراعة والأمن الغذائي وطرح جوائز لتحفيز المبتكرين والمبدعين في هذا المجال على مستوى الوطن العربي.
إن تضامن الدول العربية مع بعضها والوقوف صفاً واحداً لتأمين غذاء شعوبها سيكون له مردود إيجابي في المستقبل من خلال تطبيق المقترحين السابقين , حيث أن تكافلها من حيث تأمين التمويل اللازم مع وجود الكوادر البشرية المتخصصة والفنية وتأمين المساحات الزراعية في الوطن العربي الصالحة للزراعة فهذا التنوع والمشاركة كلٌ حسب قدراته يقودنا في النهاية إلى تأطير عمل الوحدة عربية التي لطالما حلُمنا بها سابقاً.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركةJOBKINS الأمريكية
مستشار لدى مجموعةDDL- CDAG الأمريكية
mhaddadin@jobkins.com