صورة بألف كلمة وأكثر، صورة تنقل ألف رسالة وأكثر، صورة بحجم كرهنا للحروب، وحبّنا للسلام، بحجم حاجة العالم لاستبدال حرف الحاء في كل قطعة سلاح، واستبداله بحرف الميم، لأن يصبح السلاح، سلاما، صورة نقلتنا لعالم آخر عاش به الأردنيون وجعا مضاعفا على الشهيد علي جمعة الجوابرة.
انها صورة الطفلة زينة، ابنة الشهيد علي جمعة الجوابرة الذي استشهد في مالي، كم أوجعتينا يا زينة، ليزداد وجعنا على والدك رحمه الله أضعافا وأضعافا، جعلت من وجعنا بصوت عال رافضا الحروب ناشدا السلام، زينة «يا حبيتي» في تصرفّك الطبيعي والذي ندرك جيدا أنك لا تعلمين أنها المرة الأخيرة التي تودّعين بها والدك البطل، نقلت آلاف الرسائل من حيث لا تدرين وبكل براءة الطفولة وعفوية المشاعر، كم أنت كبيرة يا زينة في ردة فعلك التي جاءت بحجم حزن لقلوبنا ضاعف حزننا على والدك ابن كل بيت أردني.
يوم الجمعة، حيث وصل إلى مطار ماركا العسكري، جثمان شهيد الواجب الرقيب علي جمعة شحادة الجوابرة والمصابون في حادثة الهجوم المسلح على إحـدى دوريات قوة الانتشار السريع مالي/2 ضمن قوات حفظ السلام العاملة هناك، وظهرت من بين تفاصيل هذا الحدث المؤلم، بل الحزين أكثر من الحزن نفسه، صورة ابنة الشهيد زينة تقف الى جانب نعش ابيها وهي تمسك بالعلم الذي يغطيه، ربما تناديه بلغة المشاعر منتظرة جوابا منه، نعتذر منك يا زينة فوالدك لن يجيب فهو من استشهد يا طفلتي دفاعا عن السلام، استشهد يا حبيتبي حفظا للسلام، سيأتي اليوم الذي تفهمين به كم والدك عظيم رغم أنه لم يجبك يوم أمس الأول.
لن تغيب صورة زينة عن ذاكرتنا، ولن تغيب عنّا صورة قوات حفظ السلام التي يحضر بها أبناء الأردن فرسانا، يحمون غيرهم بأرواحهم، يواجهون العنف والارهاب والحروب، بأجسادهم وبدمائهم، هم فرسان الأردن، ورفاق السلاح «لأبو الحسين»، صورة تجعل من قوات حفظ السلام وأبناءنا ممن يتواجدون بها تحضر بشكل أكثر عمقا وأكثر حرصا على أداء الواجب والتصدي للارهاب والوقوف بصف حق الشعوب والسلام.
أعيدها يا زينة آلاف المرات، صورتك لن تغيب عن قلوبنا وعقولنا، وتجعلنا أكثر حرصا على السلام، وأنت اليوم بعفويتك وطفولتك جعلتي من حزن الوطن على الشهيد الجوابرة مضاعفا، جعلت لحزننا جميعا بدايات لا نعرف إن كان لها نهايات، فألمنا مضاعف، ووجعنا مضاعف، هنئيا لك بشهادة والدك، وهنيئا للوطن بجيشه الذي لم يعرف يوما حدودا لحفظ السلام، وعظّم الله أجرك وأجر أسرتك يا «حبيبتي» بوالدك وعظّم الله أجر الوطن بوالدك، وبكل شهداء الوطن، صورتك لا يمكن أن تمر مرور النسيان، فقد تجذّرت في ذاكرتنا وأوصلت لنا رسائل بحجم وجعنا.