عشنا تفاصيل هزيمة حزيران الرهيبة عام 1967 وما تلاها من انهيار. واتفقُ مع الكاتب لطفي الخولي في وصفه عام 1967 بأنه «عام الانكسار في العالم الثالث».
في اليوم الأول من الحرب صدّقنا رواية أحمد سعيد، كبير مذيعي صوت العرب القاهرية الذي اعلن انه سيقذف اليهود في البحر، قائلا «تجوّع يا سمك».
توهمنا، أننا سنترك مذياع «الترانزستر» لنقف على بحر يافا المُشبع بعطر البرتقال والليمون والقوارب، واننا سنحرر فلسطين من الصهاينة الذين شردوا اخوتي وقارفوا المذابح الوحشية في دير ياسين وكفر قاسم وقلقيلية واللد ويالو والدوايمة وقِبية ويازور والبريج ونحالين وغزة وخانيونس وغيرها.
ثم ذهلنا من الأخبار التي أصبحت تنتشر وتؤكد وقوع هزيمة ماحقة.
ولم نسمع عن انطلاق «صواريخ التحرير الظافر والقاهر».
هرعنا مجموعة من الأصدقاء إلى مخفر شرطة المفرق للتطوع، وكنا في مطلع العشرين من أعمارنا.
في المخفر وجدنا ضابط الشرطة الشاب يضع رأسه بين يديه وينتحب. رأينا الهزيمة والانكسار في عينيه. كان مشهد الضابط المخذول مثل «فجّة» الضوء الساطع.
هوت مطرقة الحقيقة على رؤوسنا بلا رحمة.
إنها إذن، نكبة الأمة الكبرى الثانية.
كانت القضية الفلسطينية في تلك الايام، قضية كل فرد منا، علاوة على أنها قضية قومية.
وكان اخوتنا اللاجئون في المفرق، من بئر السبع ويافا واللد والناصرة والجليل وحيفا، يصفون لنا الشوارع ويحددون لنا عناوينهم في مدنهم الفلسطينية، التي كنا نتوق لتحريرها وتلبية دعواتهم لزيارتهم فيها.
ولاحقا، كشف لنا الكاتب الطاهر عبد الحكيم، في روايته المرعبة «الاقدام العارية» عمق الاضطهاد والوحشية والظلم والاستبداد، الذي ضرب الشعب المصري وطليعته وشلّها، كما فعلت انظمة الانقلابات المشبوهة في شعبنا العربي المبتلى.
وفي الحسابات المنصفة، قدمت الجيوش العربية، آلاف الشهداء في الحروب التي خاضتها مع الغزوة الصهيونية، ولا يغمط جيوش أمتنا أنها لم تنتصر فيها كلها.
الاحتلال الإسرائيلي الحالي للقدس هو الاحتلال رقم 44. أي ان القدس تحررت، ليس مرة ولا عشر مرات، بل تحررت القدس 43 مرة، وستتحرر القدس للمرة 44.
والقوة عامل متغير.