نظراً للمتغيرات العالمية المتسارعة التي يعاني منها العالم من تأثره بجائحة كورونا وتوابعها والحرب الروسية –الأوكرانية وآثارها من نقص في سلاسل الإمداد والتزويد وإرتفاع أسعارالنفط إنعكست جميعها على الإقتصاد العالمي سلباً ومنها إقتصادنا الأردني, لقد واجهنا إرتفاعاً حاداً بالأسعار سببه جشع وطمع بعض التجار الغير مسيطر عليه فبداية كان من الأولى أن تُدمغ أي سلعة بتاريخ دخولها البلد ليتم بيعها بالسعرالذي دخلت فيه البلاد وأن يشاهد المواطن هذا التاريخ مدموغاً على السلعة لمعرفة إن كانت قد خضعت لإرتفاع السعر أم لا وهنا نضمن الإرتفاع التدريجي للسعر وبحيث يكون منافس , المصيبة أن بعض التجار حصلوا على فروقات سعرية من بضائعهم على حساب المواطن الذي لا حول له وقوة وقاموا بزيادة أرصدتهم وودائعهم البنكية .
دعونا نشخص جذور هذه المشكلة ,إن الصادرات الوطنية لعام 2014 بلغ 5163 مليون دينار وبعد هذا التاريخ لغاية هذه السنة لم نتجاوزهذا الرقم (حسب دراسة منتدى الإستراتيجيات الأردني) والقادم أصعب, وإرتفاع بعجز الميزان التجاري الأردني للعام الماضي (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) على أساس سنوي ,فتعميق الفارق في السنوات القادمة يعني القضاء على الصناعات الوطنية وإضمحلال فرص التشغيل وعدم تحقيق نسب النمو الذي ننشده,كل ذلك لم نسمع من الفريق الإقتصادي أي حلول سوى رفع أسعار ليتحملها المواطن, الحلول موجودة إذا كان لدينا مسؤولين مبدعين مبتكرين لديهم قدرة قليلة من التحليل والتفكير, ليس أن يعيدوا المثال الذي تعلموه كل عام اللعب بالأرقام لضمان موازنة ناجحة وفي نفس الوقت نذهب بإتجاه نزيف المديونية وإزدياد في أعداد البطالة.
إن الحل لا يأتي إلا بتشجيع الصناعة المحلية ودعمها لتسد احتياجات السوق المحلي وتصدير الفائض , ببساطة ستكون قيمة صادراتنا أعلى من وارداتنا كما يلي:
- مراجعة الميزان التجاري مع الدول بحيث يكون متوازن.
- وضع حد للسلع المستوردة من الخارج وإخضاعها لمراقبة حثيثة حتى لو تضمن ذلك تشريعات تمنع استيرادها ولكن بشروط وذلك لتمكين الصناعة المحلية , فلماذا يكون هناك لنفس المنتج في الأسواق عشرات الأنواع من الأصناف , فكيف تريد من المنتج المحلي أن يكون منافساً؟
- هناك أصناف سلع كمالية ليس لها ضرورة ويتم بيعها بإحتكار للتتضاعف الأرباح عليها من قبل التجار إضافة إلى شرائها بالعملة الصعبة من الخارج.
- التركيز على إستيراد المواد الخام التي تدخل في الصناعات الغذائية والزراعية والتكنولوجية والطبية والملبوسات ومستلزمات البناء وغيرها , وذلك ليتم التصنيع داخل البلد ليساهم في تشغيل العاطلين عن العمل ويكون حساب الكلفة التشغيلية للسلعة داخل البلد لا أن تدفع نقداً عند استيرادها.
-السماح بإستيراد المواد الخام من الخارج من قبل المصانع واستيفاء الرسوم على المنتج عند تصنيعه بما يضمن السعر المناسب للمنتج.
باختصار شديد معادلة تكلفة السلعة على المواطن: السلعة في بلد الدولة المصدرة(ثمن مواد الخام+ أجرة الأيدي العاملة )+ ربح التاجر والوسطاء الفاحش على السلعة = شراء المواد الخام من الخارج +تشغيل الأيدي العاملة الأردنية+ربح المصنع(ضريبة للدولة واستفادة لجميع المساهمين وتوسعة عمل وإنتاج أكثر للمصنع) ,إضافة إلى أن أجرة الشحن تقل عند استيراد المواد الخام لإنتاج نفس كمية السلعة عند استيرادها,ناهيك عن إستفادة وتعاون أكثر من مصنع محلي في الإنتاج (تشغيل صناعة التغليف والمطابع ,...), فالسؤال الأخير الموجه لقرائنا الأعزاء ولمواطنا ومسؤولنا هوأي شق من المعادلة ستختار (إذا تم ضبط الجودة )؟
إن ذلك سيضمن لنا التوسع في الصناعات المحلية وزيادة إنتاجها بعد مراقبة جودتها وضمان أسعارها المنافسة, فلو كل عام خفضنا العجز التجاري السنوي بمليار دولار لضمنا أن هذا المبلغ سيُنفق داخل السوق المحلي ليشغل أبناء الوطن والتوسع بالصناعات وإنشاء صناعات جديدة, فمن المتوقع بنهاية عام 2025 أن نحقق نمواً يصل إلى 5% ويخفض عدد العاطلين عن العمل بشكل ملحوظ.
كل ذلك لن يتحقق إلا إذا توفرت ثقافة الترشيد الإستهلاكي عند المواطنين بجميع طبقاتهم الغنية والمتوسطة والفقيرة, وإدراك أن أي سلعة تُشترى من الخارج تُدفع بالعملة الصعبة ,ويجب التفكير بأنماط الإستهلاك والتخلص من العادات الإجتماعية المرهقة , إن شراء السلعة المحلية يعني تشغيل أيدي أردنية إضافية.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com